عيد المقاومة والتحرير: ربع قرن على المجد... ويأتي هذا العام والشهيد السيد نصر الله يغيب جسداً ويحيا نهجاً

السبت 24 أيار , 2025 12:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

خمسة وعشرون عاماً مرّت على ذاك اليوم المضيء في ذاكرة الوطن، حين اندحر الاحتلال الإسرائيلي عن أرض لبنان دون قيد أو شرط، بفعل مقاومة عظيمة ووفاء شعبٍ لا يعرف الانكسار.

كان 25 أيار 2000 يوماً حفر في التاريخ العربي أول انتصار فعلي على "إسرائيل" تحقق لا عبر المؤتمرات ولا بمباركة قرارات دولية عاجزة، بل عبر بنادق المقاومين وصبر الناس وعزيمة الرجال الذين آمنوا بأن الوطن لا يُحرر إلا بالتضحيات.

خمسة وعشرون عاماً، والمقاومة لم تهدأ. تبدّلت الظروف، تغيرت الميادين، وتبدلت ملامح الصراع، لكن الثوابت لم تتبدل.

يأتي العيد هذا العام والقلوب يعتصرها ألم الفقد، إذ يغيب القائد الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الذي شكل طيلة عقود من الزمن بوصلتها الناطقة وضميرها الحي، قائداً حمل راية المقاومة من تحت ركام الاجتياح في 1982 إلى نصر التحرير الأول، ثم إلى الانتصار المدوي في تموز 2006، وصولاً إلى ملحمة "أولي البأس" عام 2024، التي ختمت مسار حياته الجهادية بالشهادة، وكرّست خط المقاومة نهجاً لا ينكسر.

لقد كان السيد نصر الله أكثر من قائد، كان صوتاً للناس، مفسّراً للتاريخ، صانعاً للمواقف، وناظماً لمعادلات الردع. وقف بوجه أعنف الحروب النفسية والإعلامية والسياسية، وفي كل مرة كان يخرج ليطمئن شعبه: "نحن الأقوى، ونحن المنتصرون". اليوم، يعود عيد المقاومة والتحرير وذاك الصوت الغائب يسكن في القلوب، شاهداً على أن من عاش بكرامة، لا يموت، ومن ارتقى شهيداً من أجل وطنه، يبقى مخلداً في ضمير الأمة.

المقاومة التي أنجزت النصر عام 2000، لم تكن يوماً مشروعاً فئوياً أو حالة عابرة، بل هي فعل وطني جامع، شارك فيه الشعب والجيش، وانصهر فيه الدم اللبناني على امتداد الجنوب والجبل والبقاع وبيروت والشمال. هي مقاومة حررت الأرض، ولم تحتكرها، بل سلمتها للدولة، وأبقت على حلم بناء الوطن فوق ركام التهجير والحرمان والتقسيم.

واليوم، فيما تتعرض المقاومة لحصار داخلي وخارجي، وتُشنّ عليها حملات التشويه والتشكيك، فإنها تزداد صلابةً وتجذراً، مدعومة بشعب لا يزال يرى فيها صمّام الأمان ومصدر الكرامة وعنوان السيادة. لقد أثبتت التجربة أن ما تحقق من إنجازات لم يكن ليكتب لولا التحام الناس بمقاومتهم، وإيمانهم بعدالة قضيتهم.

وفي مقابل جبهة المقاومة، لا تزال "إسرائيل" تمارس عدوانها اليومي، مدعومةً بغطرسة أمريكية وصمت دولي متواطئ، وتحاول يائسةً استعادة هيبتها المفقودة بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، سواء في لبنان، أو في غزة. لكنها في كل مرة تصطدم بإرادة لا تلين، وإصرار شعبي على المقاومة، مهما غلت التضحيات.

لقد بات واضحاً أن معادلة الردع التي كرّسها حزب الله بدماء الشهداء وتضحيات القادة، من بينهم الشهيد نصر الله، ما تزال هي الضمانة الوحيدة لردع العدوان وحماية السيادة. هذه المعادلة ليست خيالاً أو خطاباً، بل واقعاً اعترفت به المؤسسات الأمنية والسياسية في كيان الاحتلال، حين وجدت نفسها عاجزة أمام تصميم الجبهة الشمالية وإصرار الأهالي على العودة إلى قراهم رغم الدمار.

عيد المقاومة والتحرير هذا العام ليس مجرد ذكرى، بل هو عهد متجدد، بأن الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء، لن تُسلَّم لعدو، وأن الجنوب الذي تحرر بالبندقية، لن يُسلَّم على طاولة مفاوضات يقرّر مصيرها الغرباء.

نعم، عيد المقاومة والتحرير هو احتفال بالصمود والعنفوان، ووفاء للشهداء الذين صنعوا هذا المجد، وفي مقدمتهم السيد الشهيد حسن نصر الله، الذي سيبقى اسمه محفوراً في ذاكرة الأمة، رمزاً للمقاومة ومرشداً للكرامة، وقائداً اختار أن يكون حيث يجب أن يكون، في قلب المعركة، وعلى درب الشهادة.

وها نحن اليوم، نعيد التأكيد أن خيار المقاومة ليس تفصيلاً أو خياراً بديلاً، بل هو الحق الطبيعي والشرعي لكل شعب يتعرض للاحتلال والعدوان. وهو ما تثبته كل المواثيق الدولية، وكل تجارب الشعوب الحرة.

في عيد المقاومة والتحرير، نحيّي كل من ساهم في صنع هذا النصر: شعباً صامداً، وجيشاً وفياً، ومقاومةً لا تعرف التراجع. ونجدّد العهد للدماء الطاهرة أن تبقى الراية مرفوعة، حتى تحرير ما تبقّى من أرضنا، واستعادة أسيرنا، وتأمين عودة أهلنا إلى ديارهم بكرامة، في ظل دولة عادلة قوية تحمي الجميع.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل