خاص الثبات

في زمنٍ يُفترض فيه أن نكون أحرارًا في خياراتنا ومواقفنا، تطلّ علينا وجوه مأجورة من واشنطن تحمل أحقادًا مدروسة وكلمات مدفوعة الثمن، كوجه نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، التي تحاضر علينا من موقع الاستعمار الناعم، وتستبيح سمعة وطن وتعتدي على كرامة شعب.

أورتاغوس، تتنقل كأداة ضغط سياسي مدفوعة الثمن، تحاول إرهاب المستثمر والسائح العربي برسائل تحذيرية تصوّر لبنان كمنطقة عسكرية، وتشيطنه وكأنّه ساحة معركة لا حياة فيها. تدّعي أن "الصواريخ قرب المقاهي" تهدد الأمن، وكأن لبنان ينقصه تشويه إضافي فوق ما فعله به الفساد الداخلي والحصار الخارجي.

لكن الأقسى من ذلك كله، ليس ما قالته أورتاغوس، بل صمت الدولة اللبنانية. لا بيان من رئاسة الجمهورية، لا موقف من رئاسة الحكومة، ولا حتى بيان خجول من وزارة الخارجية. وكأننا أمام جمهورية صامتة تُضرب على خدها الأيسر، فتميل برأسها لتقدّم خدّها الأيمن.

كيف تُترك سمعة لبنان تُداس بهذا الشكل من دون ردّ دبلوماسي حازم؟ أين السيادة؟ أين الكرامة الوطنية؟ أليس من دور لهذه المؤسسات، على الأقل، أن تطالب بتوضيح رسمي من الحكومة الأميركية حول تصريحات تمسّ مباشرة بقطاع حيوي هو السياحة، في موسم يفترض أن يكون شريانًا اقتصاديًا للبلد؟

الأنكى من ذلك، أن الإعلام الموالي للغرب يحتفل بهذه المرأة ويقدّمها على أنها مرجعية، فيما هي لا تختلف كثيرًا عن أيّ بوق خارجي يشتري ولاءات إعلامية بخيوط ناعمة، تصفف شعرها وترتدي الماركات، وتعتلي الشاشات اللبنانية دون استئذان.

نعم، تغيّرت أشكال العبودية. لم يعد الأمر متعلقًا بلون البشرة أو السلاسل الحديدية. اليوم العبودية ناعمة، أنيقة، بيضاء. عبودية فكرية وسياسية تحوّل بعض الصحافيين اللبنانيين إلى أبواق مأجورة، يهاجمون الداخل، ويقدّسون الخارج، ويصفّقون لأيّ أميركيّ، حتى وإن كان يحمل معول هدم في كلماته.

هذا ليس دفاعًا عن محور أو طرف، بل دفاع عن كرامة بلد، عن مؤسسات غائبة، عن صوتٍ غُيّب، عن موقفٍ لم يصدر. لبنان لا يحتاج إلى مورغان أورتاغوس لتوصيف أزماته، فهو يعرفها جيدًا، لكنه بحاجة إلى من يدافع عنه أمام حملات التشويه والتخويف.

على الدولة أن تستفيق، وعلى الإعلام أن يستعيد كرامته، فصمتكم جريمة، وتخاذلكم عبودية من نوع آخر.