أهل المقاومة يحمون المقاومة بسلاح الصوت ــ د. نسيب حطيط

الإثنين 19 أيار , 2025 09:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
قبل 43 عاماً اجتاح العدو "الإسرائيلي" لبنان، وانهزم الجميع ،بمن فيهم الفلسطينيون الذين كانوا يعلمون بالاجتياح قبل أشهر وبقي المقاومون وحدهم ،بعدما تركهم العرب بين أنياب الوحش "الإسرائيلي" والمتعدّدة الجنسيات ،فسارعت الأمهات والآباء لإرسال ابنائهم الى الميدان، للدفاع عن الارض والدين والنفس، دون انتظارٍ لفتوى او قرار حزبي وتشكّلت  المقاومة من مجموعات تطوعت فيها  ،الأمهات والآباء والأبناء والأخوات والمزارعين والعمال والأساتذة والمثقفين وكانت المقاومة قراراً شخصياً وتمويل شخصي ،يعتمد التطوّع ودفع المال وإلغاء منظومة القبض والراتب التي اعتمدتها المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية.
قاوم الأهل الشرفاء واحتضنوا أبناءهم حتى اشتدّ عودهم وصارت المقاومة تنظيمات وأحزاب لها قدراتها العسكرية والإعلامية، وبقي الناس معها يعطونها أبناءهم في الميدان وأصواتهم في الانتخابات البلدية والنيابية طوال 40 عاماً ولم يتركوا المقاومة رغم بعض العقوق والتقصير وسوء استعمال الوكالة والمبايعة.
كان المقاومون عند حسن ظن أهلهم واستطاعوا تحرير الجنوب دون تنازلات ودون اتفاقات سلام او تطبيع، كما فعل العرب  ثم استطاعوا هزيمة الوعي "الإسرائيلي" وإسقاط الغرور والعُجب للجيش الذي لا يقهر وفرض المقاومون قواعد اشتباك حمت لبنان أكثر من 20 عاماً وعاش الجنوب بسلام ورخاء لأول مرة منذ احتلال فلسطين ونبتت على تلاله وسهوله البيوت والقصور والمشاريع وصارت المقاومة أيقونة لبنان والمنطقة وشعلة الضوء في الليل العربي والإسلامي، وتطوعت وأعطت ضوءها لفلسطين وسوريا والعراق واليمن والبوسنة، مما جعلها هدفاً للرياح الأميركية و"الإسرائيلية" والعربية لإطفاء شعلتها فتعرّضت ومن بوابة إسناد لحرب عالمية بيد "اسرائيلية" للقضاء على المشروع المقاوم للأمة وتغيير معالم الشرق الأوسط.
قاتل المقاومون كربلائياً حتى الاستشهاد واستطاعوا كسر الهجوم البري "الإسرائيلي"، لكن المقاومة وأهلها لازالوا يتعرّضون للحصار المالي والعسكري وللتنمّر والاستفزاز بدافع التشفّي والحقد من اللبنانيين والعرب و"الإسرائيليين" والأميركيين  والجماعات التكفيرية وبعض الأنذال اللبنانيين وصارت المقاومة وأهلها وحيدة يتيمة مُستفردة في الميدان تتلقى السهام من كل جانب ويتعامل الآخرون معها على أنها مهزومة وان عهد الانتصارات قد ولّى، وعلى المقاومة ان تسلّم سلاحها، لتسهيل قطع رأسها وعلى أهل المقاومة ان يسلّموا اصواتهم ويتبرؤوا من المقاومة ،مقابل  تأمين الخبز وإلا سيكون مصيرهم، كأهل غزة المقتولين بالرصاص وبالجوع والعطش.
بعد 43 عاماً يعود الآباء والامهات الى البدايات ويحضنون أبناءهم المقاومين ،متجاوزين كل تقصير وعقوق ويقومون بحماية المقاومة بعد ما ضعفت عن حمايتهم، ليس تخلّياً عنهم، بل بسبب جراحها التي لا زالت تنزف.
يداوي أهل المقاومة أبناءهم ويحمونهم بالانتخابات البلدية، لإعطائهم جرعات الصمود والمعنويات وإطلاق الصوت على الخصوم والأعداء والإعلان بأنهم لن يتخلّوا عن ابنائهم المقاومين وان إهانات التفتيش في المطار ومنع الإعمار والحصار لن تدفعهم للتبرؤ من المقاومة...
لقد عاد الناس ليكونوا هم المقاومة، وصار المقاومون بيئة المقاومة وجمهورها .
بعد 43 عاماً تعود "الطائفة المقاومة" إلى ما كانت عليه، يقتلها الحصار والقصف والاغتيال وتعيش اليُتم السياسي، فتقاتل وتُقتل وحدها ،بينما يفتش اخوتها كيف يحمون أنفسهم ويسترجعوا أموالهم وحفظ مصالحهم ويهدّدون بالرد بآلاف الصواريخ إذا تعرّضوا للاعتداء، ومع ذلك فإن أهل المقاومة يعلنون عدم الاستسلام او الانهزام ويستمرون بحماية  المقاومة حتى تشفى  من جراحها وتحمل سلاحها وتبدأ من جديد وسينتصرون معها ثانية كم انتصروا في المرة الأولى ولو طال زمن المقاومة عشراً او عشرين او ثلاثين عاماً، فنحن "المسلمين الشيعة" لن نعترف "بإسرائيل" ولن نعترف بحل الدولتين التي اعترف بها الفلسطينيون؛ سلطة ومقاومة، واعترف بها العرب والمسلمون.
انتصر أهل المقاومة بهجومهم "المدني" المضاد الأول في الانتخابات البلدية واستطاعوا حماية المقاومة بأصواتهم وعدم كشف ظهرها وأفشلوا كل الحرب الإعلامية والعسكرية والاقتصادية والنفسية التي تشنّها أميركا وحلفاؤها، التي تزعم أن المقاومة قد سقطت وان أهلها قد تبرؤوا منها.
تستطيع أميركا و"إسرائيل" هزيمة تنظيم او حزب او حركة، لكنها لا تستطيع هزيمة شعب او طائفة مقاومة.
تستطيع أميركا و"إسرائيل" تدمير الصواريخ الدقيقة والأنفاق المحصّنة، لكنها لا تستطيع تدمير الحناجر والأصوات الدقيقة والصادقة والنفوس الأبية الشجاعة .
عادت المقاومة إلى بداياتها للدفاع عن أهلها وأرضها والتخلي عن منظومة "المقاومة المجوقلة"... مقاومة الناس الشرفاء الصادقين المتطوّعين المتبرّعين، وهذه هي المقاومة التي انتصرت، وستنتصر ثانية بإذن الله، وندعو ونناشد المقاومة عدم القتال نيابة او وكالة عن أحد، والمبادرة لتطهير صفوفها من الفاسدين، والتخلّص من المقاولين والانتهازيين وأولاد "القصعة"... وعدم المراهنة الدائمة على مسامحة الناس.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل