في زمن الجولاني وأمثاله... تُمسَخ سورية: التاريخ يُزوَّر، الجغرافيا تُقسَّم، والهوية تُباع

الأربعاء 14 أيار , 2025 09:09 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

بينما تنشغل بعض الأبواق الإعلامية والناشطين على مواقع التواصل بالاحتفال بما يسمونه "انفراجًا اقتصاديًا" و"انفتاحًا دوليًا"، يغضّ هؤلاء الطرف عن الكارثة الوطنية الكبرى التي تمر بها سورية بصمت القبور. فالثمن الحقيقي لما يسمى بـ"رفع العقوبات" ليس إلا سلسلة من التنازلات المصيرية التي تمس سيادة الدولة وهويتها ومكانتها التاريخية، وكل ذلك تم تحت غطاء هزلي اسمه "إعادة اندماج سورية في المجتمع الدولي".

إن ما يُقدَّم اليوم من تنازلات، لم تجرؤ عليه لا الأنظمة العميلة، ولا حتى الدول التي طبّعت منذ عقود. كل ذلك يُمرَّر بخبث، خطوة تلو الأخرى، دون إعلان رسمي، لكن الوقائع على الأرض لا تكذب. في القلب من هذه الصفقة يقف شخص مثل أبو محمد الجولاني، الذي باع سورية لصالح أجندات إقليمية ودولية، بعدما تحوّل من أمير لـ"جبهة النصرة" إلى أداة تطبيع سياسي وعسكري.

التمهيد لمعاهدة سلام مع "إسرائيل"

أولى الكوارث التي يجري التأسيس لها هي معاهدة سلام بين سورية والكيان الصهيوني، في أكبر انقلاب على العقيدة القومية السورية منذ تأسيس الدولة. من كان يصدّق أن يخرج من الشمال السوري من يمهّد لهذا السيناريو، تحت شعارات برّاقة مثل "النأي بالنفس" و"التنمية"؟ تمهد لهذه الخيانة دوائر مشبوهة في الداخل، بدعم غربي وإقليمي، والهدف: إسقاط آخر قلاع الرفض للمشروع الصهيوني في المشرق.

سفارة "إسرائيلية" في دمشق؟!

تتداول أوساط سياسية معلومات عن تجهيز مباني ومقار في دمشق لتكون تمثيلًا دبلوماسيًا إسرائيليًا خلال المرحلة المقبلة، في حال استقرت المعادلة الجديدة. الخطير هنا ليس فقط وجود سفارة، بل ما يعنيه ذلك من انهيار كامل لكل القيم التي تربت عليها الأجيال، وكل التضحيات التي قُدّمت في سبيل تحرير الأرض.

تغيير المناهج والتاريخ

يُعاد اليوم كتابة التاريخ السوري تحت إشراف مباشر من قوى أجنبية، وتُزال منه الإشارات إلى المقاومة الفلسطينية، والجولان المحتل، والعدو الإسرائيلي. تُقدَّم للأجيال الجديدة خرائط بلا فلسطين، وتُدرَّس على أنها إسرائيل. في مشهد عبثي، يتحوّل المحتل إلى جارٍ طبيعي، ويُصوَّر الصراع العربي الصهيوني كـ"سوء تفاهم تاريخي"!

الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية

جزء من بنود الصفقة الكبرى هو القبول الضمني بـ"يهودية الدولة" الإسرائيلية، ما يعني نسف حق العودة وشرعنة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين. لم تصدر أي جهة في المعارضة أو من يتصدرون المشهد في إدلب أي رفض لهذه المشاريع، بل هناك قبول عملي بها.

الجولان صار إسرائيلياً

منذ تسعينات القرن الماضي وحتى ما بعد 2011، كان الجولان المحتل خطًا أحمرًا في السياسة السورية، لا يُقبل فيه التفاوض ولا التنازل. لكن ما يحدث اليوم، هو أن الاعتراف بضم الجولان يُمرَّر عمليًا عبر الصمت، بل وتبرير الاستيطان فيه.

تفكيك الجغرافيا السورية

المشروع لا يقتصر على التطبيع، بل يتعداه إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات متناحرة:

الجنوب السوري أصبح خارج سيطرة الدولة، ويتجه نحو إدارة ذاتية.

الشرق السوري تُرك للأكراد ليحلّوا فيه مشكلتهم مع تركيا على حساب وحدة سورية.

حلب تُسلَّم تدريجيًا للهيمنة التركية.

الساحل يُخطط له أن يكون منطقة دولية بغطاء استثماري مشبوه.

كل ذلك يجري والجولاني يلعب دور الضامن الأمني لهذا التقسيم، مستفيدًا من الدعم الأميركي والتركي، مقابل تسهيلات سياسية وعسكرية.

تسهيل تصفية المقاومة

من أخطر ما يجري الحديث عنه هو التمهيد لمعركة ضد حزب الله، وفتح المجال للتكفيريين الأجانب للتمركز في وسط سورية، والانطلاق نحو معارك ضد الحزب في الجنوب اللبناني، وبعدها ضد فصائل مقاومة أخرى في العراق. كل هذا بدعوى "التخلص من النفوذ الإيراني"، لكنه في حقيقته عملية تصفية للمقاومة، لمصلحة إسرائيل.

نهب الثروات

ثروات سورية من النفط والغاز والفوسفات باتت تحت سيطرة شركات أميركية وفرنسية وألمانية. وحتى الكيان الصهيوني يُعد له حصة في هذه الثروات، ضمن تسهيلات قادمة من الشمال والشرق، برعاية قادة الميليشيات وعلى رأسهم الجولاني، الذي أثبت أنه لا يتورع عن بيع البلاد لقاء تثبيت سلطته الوهمية.

لم تُطبّع سورية يوماً… ولن تُطبّع

في عهد الرئيس حافظ الأسد، كانت سورية الدولة الوحيدة التي لم توقّع، ولم تطبّع، ودفعت ثمن ذلك حصارًا دائمًا لكنها بقيت مرفوعة الرأس.
وفي عهد الرئيس بشار الأسد، ورغم كل الضغوط الدولية، بقيت دمشق داعمة للقضية الفلسطينية، ورافضة لشرعنة الاحتلال.

أما اليوم، ففي زمن التكفيري الجولاني وأمثاله، يُمسخ كل شيء: التاريخ، والجغرافيا، والهوية. لكن الأهم أن السوريين الشرفاء، داخل البلاد وخارجها، لا ولن يقبلوا بهذا الانحدار، وسيكتب التاريخ أن من احتفل برفع العقوبات، كان يرقص على أنقاض وطنٍ يُباع قطعة قطعة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل