الحرب الأميركية على التشيّع السياسي والديني _ د. نسيب حطيط

الأربعاء 14 أيار , 2025 11:27 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تشن أميركا وحلفاؤها حرباً شاملة على الإسلام السياسي الشيعي والديني وتحاصره مقدمة لإسقاطه وسلبه مقاليد السلطة التي وصل إليها في إيران والعراق، ونزع سلاحه في لبنان واليمن، واستمرار المجازر التي ترتكبها الحركات التكفيرية في أفغانستان ضد الشيعة "الهازاراه".
خاضت أميركا صراعاً طويلاً وواسعاً ضد الشيوعية، بعد الحرب العالمية الثانية بما عُرف بالحرب الباردة مع بعض الهبّات الساخنة ضد الاتحاد السوفياتي "قائد المعسكر الاشتراكي" الشرقي، حتى استطاعت إسقاطه في العام 1990 من بوابه أفغانستان والاختراق الداخلي "البيريسترويكا" بقيادة "غورباتشوف"، الذي فكّك الاتحاد السوفياتي. 
بدأ الصراع بين أميركا والشيعة عام 1979 بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقياده الإمام الخميني وإسقاط "الشاه"؛ رجل أميركا واسرائيل في المنطقة، وبدء بناء محور الإسلام التحرري ذي الفكر الشيعي على مستوى المنطقة والعالم، والذي استطاع بناء جبهة مقاومة، ضد المشروع الأميركي في الشرق الأوسط، وتولى قيادة المواجهة مع العدو "الإسرائيلي" منذ اجتياح 1982، وحمل راية القضية الفلسطينية ودعمها وتسليحها وبناء منظومة عسكرية رديفة وبديلة عن الجيوش العربية التي قيّدتها اتفاقيات السلام والتطبيع والتبعية.
تحقد امريكا على الإسلام الشيعي السياسي الذي عطّل مشاريعها في المنطقة وضيّع عليها الفرصة الذهبية للسيطرة على المنطقة وثرواتها، قبل أن تستيقظ روسيا كلاعب اقليمي ودولي، فأوقف صفقة القرن، وأخّر سقوط سوريا 13 عاماً، وسلّح المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، وأنقذ اليمن من السيطرة الأميركية المباشرة أو المقنّعة بالغزو العربي.
تجاوز الإسلام السياسي الشيعي جغرافيته وساحاته الدينية بنسخته الرسمية؛ إيران، "فوصل الى فنزويلا وأميركا واللاتينية، مما جعله العقبة الرئيسة ضد المشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، وأقام حواجز طيارة على طرق الغزو الأميركي و"الإسرائيلي" والجماعات التكفيرية، لمنع التطبيع والديانة الابراهيمية عبر حركات المقاومة في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن وحماس والجهاد في فلسطين .
شنّت أميركا هجمات مضادة متعدّدة ضد ايران عبر الاغتيالات والتخريب الأمني والاجتماعي  والديني (انتفاضة الحجاب) والثورات المدنية، بعد فشل الحرب الأمريكية على ايران بواسطة صدام حسين، ثم الغزو الأميركي الثاني للعراق عبر "داعش" لإسقاط "الحكم الشيعي" الذي استلم الحكم، ثم شنّت حربها عام 2006 بذراعها العسكري "الإسرائيلي" للقضاء على المقاومة اللبنانية وفتح الطريق لولادة الشرق الاوسط الجديد الذي افشلته المقاومة، والذي عادت لتنفيذه في حرب ال66 يوماً عام 2024، والتي لم تنته بعد، وبدأت بالحفر وراء الخطوط الخلفية للمقاومة في سوريا عبر الثورة السورية الملقّحة بالجماعات التكفيرية المتعدّدة الجنسيات، وبرعاية وتمويل عربي - تركي - "إسرائيلي"، انتهت بإسقاط النظام في سوريا، وقطع طريق الإمداد على المقاومة، واستكمال حصارها من الشمال والشرق، بالتلازم الإنزال السياسي الأميركي في العاصمة بيروت، وتعيين "حاكم اداري أميركي" للإشراف على نزع سلاح المقاومة.
إن مقارنة بسيطة بين تعامل أميركا والدول العربية مع نظام الحكم في العراق بعد صدام حسين بوجهه الشيعي غير الكامل  عبر مشاركة الأكراد والسنّة في السلطة، والتعامل معه (سلطة الجولاني) في سوريا؛ والمصنّف إرهابياً عند الأميركيين والعرب، ولا زالت جائزة القاء القبض عليه حاضرة، و"جبهة النصرة" التي يرأسها لا زالت "إرهابية"، ومع ذلك صار الرئيس "المدلّل" عند أميركا والعرب والغرب، وفُتحت له  خزائن العرب وأبواب القصور؛ من الإليزيه الى البيت الأبيض، لأنه وافق على التطبيع والسلام مع "اسرائيل"، وأعلن عدم نيته مواجهتها، وسكت عن احتلال اراضيه وأنه ضد إيران والمقاومة في لبنان، بالتلازم مع حصار سياسي ومذهبي  على العراق، مع أنه يعتبر حليفاً لأميركا التي لا زالت تحكمه بكل تفاصيله، وتعتبره قاعدة عسكريه كبرى لها، والسبب ان "الإسلام الشيعي" السياسي يحكم العراق ويرفض التطبيع مع "إسرائيل".
ان الإسلام السياسي الشيعي يمثل حركة تحرّر عالمية، حملت وزر مواجهة أميركا، بعدما تم القضاء على حركات التحرر اليسارية ذات الفكر الشيوعي خصوصاً في أميركا اللاتينية وإفريقيا وبعض دول الخليج والعالم العربي ويتلقى الإسلام السياسي الشيعي السهام، عقاباً له لموقفه المعادي لأمريكا و"إسرائيل" من جهة، وبسبب التكفير الديني من الجماعات التكفيرية التي صنعتها أميركا، التي استفادت من الموروث التاريخي الإسلامي وأعادت إحياء التكفير السياسي والديني. 
لم تنته الحرب ضد المقاومة في لبنان، ويمكن ان تسكت كل الجبهات ويُعلن فيها وقف النار، ما عدا جبهة لبنان التي سيستمر التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" - العربي بالحرب على المقاومة، لاعتقاده ان إسقاط المقاومة اللبنانية شرط أساس لإسقاط المنطقة وإيران، حيث لا زالت المقاومة اللبنانية "البحصة التي تسند خوابي محور المقاومة".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل