خاص الثبات
بوجه متقن التمويه وبخطوات محسوبة كالعروس "المنكوبة" في عرس مرتّب سلفًا، يدخل دونالد ترامب إلى الخليج لا كضيف، بل كمستثمر في الخراب، يحسب الأرباح قبل أن يعبر بوابة المطار.
لا يهمه كم ستُسفك من دماء بعد زيارته، بقدر ما يعنيه أن تمرّ لحظة اللقاء الرسمي بسلاسة، بابتسامات مصطنعة، واستقبالات باهظة الثمن، واتفاقيات أشبه بـ"شيكات على بياض" تموّل آلة الهيمنة الأميركية وتُشعل الحروب بالوكالة.
الرئيس الأميركي، والذي لم يُخفِ يومًا احتقاره لحلفائه الخليجيين، يأتِي كما أمّ العروس في زفاف مرتبك: تتمنى إتمام الليلة "على خير"، لتبدأ بعدها الفوضى. هذه هي استراتيجيته المتكررة في المنطقة. يبيع خطاب "الأمن"، ويوزّع تهديدات مبطّنة، ثم يحصد أموال الخليج "المذلول" الذي لا يملك من أمره شيئًا إلا الاستسلام.
السعودية، قطر، الإمارات: الوجوه المختلفة لعملة الخضوع
هذه الدول الثلاث تبدو متفرقة في التصريحات، متنافسة في المشهد الإعلامي، لكنها تتوحد عندما يحضر السيد الأميركي. تتناسى خلافاتها، وتفتح خزائنها، وترسل الرسائل الطائعة، وكأن دونالد ترامب هو الضامن الوحيد لبقائها. تشتري أسلحة لا لحماية الشعوب، بل لضمان رضا سيد البيت الأبيض. تخضع لسياسته في اليمن، فتدمر، وتخضع لابتزازه في صفقة القرن، فتطبع. تسير خلفه في حصار قطر ثم تصالحها بناء على تعليماته. تتحرك بوصاها الخارجية من واشنطن لا من شعوبها.
اليمن، فلسطين، سوريا: خرائط تحت مقصلة الدولار
ما بعد الزيارة دائماً أسوأ من الزيارة. فبعد أن يُعلن ترامب عن صفقات المليارات، تبدأ جولات القصف على اليمن، وتتصاعد التغطية السياسية على جرائم الاحتلال في غزة. تُخنق سوريا بالعقوبات، ويُقنّن خراب لبنان اقتصاديًا. هذا هو الثمن الحقيقي للرقص مع ترامب: رقصة على ركام المدن العربية.
مكر ترامب وغباء الحلفاء
ترامب لا يخفي مكره، بل يفاخر به. يعلن في خطاباته أنه جنى مئات المليارات من "أصدقاء" الخليج، ويذكّرهم بأنهم لا يصمدون أسبوعًا من دونه. هم بدورهم لا يكذبونه، بل يؤكدون روايته بمزيد من الخضوع. لا رؤى مستقلة، لا سياسات وطنية، بل تبعية كاملة تجعلهم أدوات في يده. وكلما أوغل في خداعهم، ازدادوا انبطاحًا، وكأنهم يفرحون بخساراتهم ما دامت تغلف بورقة التفاهم مع "البيت الأبيض".
زمن النفاق باقٍ ما بقيت العمالة
المنطقة لا تعاني من قوة ترامب، بل من ضعف من يقفون أمامه وهم يظنون أنهم حلفاؤه. ومن يبيع قراراته السيادية لقاء صفقات السلاح والدعم الأميركي، لا يستحق إلا أن يكون جزءًا من هذه المسرحية التراجيدية، التي تُكتب فصولها بالدم العربي، وتُختتم دائمًا على طاولة ترامب، حيث تُحسب الأرباح بالدولار، وتُنسى الأرواح.