أقلام الثبات
بعد إسقاط النظام السوري ومؤسساته، وسيطرة الجماعات التكفيرية والمخابرات التركية و"الإسرائيلية" بشكل خاص، وبقية المخابرات الدولية ولصوص الوثائق، غَنِم التحالف الأميركي كنزاً ثميناً من الوثائق والمستندات والأسرار التي جمعتها المخابرات وأجهزة الأمن والدوائر السياسية السورية السابقة في أرشيف عمره أكثر من 50 عاماً، ويحفظ ذاكرة حقبة سياسية وأمنية حساسة، تتعلق بست ساحات أساسية (سوريا ولبنان وفلسطين والعراق والأردن وإيران)، وما يتعلق بها من "الإسرائيليين" والأميركيين والأجانب والعرب.
المؤشرات الأولى حول هذا الكنز الاستخباري تُظهر كثافة ودسم المعلومات والأسرار وتفاصيلها، حيث كان هناك طرفة لطيفة تقول "إن النظام منذ بداياته أصدر قراراً يقضي باستيراد أقلام الرصاص دون ممحاة، لأن ما يُكتب لن يمحى"، وبالتالي فإن كل شاردة وواردة كتبها "المُخبرون" بقيت محفوظة على أوراق مطبوعة بدأت تتسرب وتُصرف ميدانياً، وكان أولها لصالح العدو "الإسرائيلي"؛ باكتشاف رفات الجندي الإسرائيلي تسفي فيلدمان، بعد 43 عاماً على مقتله في معركة "السلطان يعقوب"، فاستردّته "إسرائيل" بتعاون سلطة الجولاني، دون أي مقابل من الأسرى الفلسطينيين، مع أن حُكم الجولاني حليف لحماس.
لا شك ان هذا الكنز المخابراتي والمعلوماتي يشمل التفاصيل اللبنانية منذ الحرب الأهلية عام 1975، وما قبلها حتى تاريخ سقوط النظام، ولديه تفاصيل التفجيرات والاغتيالات وخطف الرهائن وزيارات المسؤولين اللبنانيين الرسميين والحزبيين ونقاشاتهم وطلباتهم وتقديماتهم، وكذلك تقارير المُخبرين الذين صاروا نوّاباً ووزراء ورجال اعمال ومقاولين ورؤساء أحزاب وقياديين، مما سيعطي أميركا وحلفاءها ذخيرة كبيرة لسلاح الابتزاز والاستغلال والتهديد لمن لا يطيعها وينفّذ طلباتها، وإلا كشفت أسراره ومؤامراته وما تورّط به أمنياً، سواء داخل طائفته او تنظيمه او ضد الآخرين، وإذا تلكأ او قصّر في التنفيذ فستعاجله أميركا بالتأديب، لأن أميركا ليس لها أصدقاء او حلفاء، ولا تتعامل بالعواطف والمجاملات، بل تتصرف كتاجر كبير يبتغي الربح ببيع بضاعة لم يدفع ثمنها!
يحتفظ أرشيف المخابرات والأجهزة الأمنية السورية ببطاقات ونشرات سياسية وأمنية وسلوكية لأغلب المسؤولين اللبنانيين الذين تعاملوا او تقاتلوا معها، مما يسهّل ابتزازهم لاستصدار قوانين في مجلس النواب، ومراسيم حكومية ومواقف سياسية تؤيد المشروع الأميركي ضد المقاومة، وإلا تم كشف عوراتهم السياسية والأمنية والسلوكية والمالية.
أكثر ساحة ستتعرّض للابتزاز هي الساحة اللبنانية، لأهميتها ومحوريّتها في الصراع، واستثنائية وكثافة الأحداث الأمنية والسياسية التي جرت خلال الخمسين عاماً الماضية، حيث كانت الساحة الأكثر سخونة وحرارة من كل الساحات العربية، ولأنها ساحة صراع بين أجهزة المخابرات العالمية، وشَهدت تفجيرات كبرى ضد المارينز والمتعددة الجنسيات، الى خطف الرهائن، الى الأسرى "الإسرائيليين"، الى اغتيالات المسيحيين لبعضهم، وكذلك المسلمين والفلسطينيين والمعارضين العرب، والدور الفلسطيني على الساحة اللبنانية، وإذا كانت هذه المعلومات قد أصبحت بيد التحالف الأميركي، فإن أميركا قادرة على إشعال الفتن بين اللبنانيين، وفي كل طائفة ومذهب وحزب او تنظيم، وفي كل منطقة دون استثناء، مما سيكشف الساحة اللبنانية ويشتتها أكثر، ويعطي أميركا أوراق قوة إضافية، لتشتيت واسقاط ما تبقى من لبنان.
يَتصبّب بعض المسؤولين في لبنان عرقاً ويرتجفون خوفاً من كشف ما اقترفوه، لأن كل محاضر اللقاءات في "عنجر" و"البوريفاج" او مكاتب ضباط المخابرات السورية محفوظة بخط يدهم وبصوتهم، وهي الآن بأيدي أميركا و"إسرائيل" والمخابرات المتعدّدة الجنسيات، وسيختارون اللحظة المناسبة لهم، لكشف بعض القضايا.
لا شك ان المقاومة سيكون لها نصيبٌ كبير، خصوصاً أنها كانت في بداياتها في حالة صراع مع سوريا، ثم انكشفت قياداتها ومراكزها وأسلحتها بعد مشاركتها في الحرب داخل الأراضي السورية، وهذا ما ستستفيد منه "إسرائيل" وأميركا، لتوجيه ضربات جديدة للمقاومة واغتيال قياداتها الميدانية.
إسقاط النظام السوري لم يصب الرئيس "الأسد" وأركانه والشعب السوري فقط، بل أصاب كل حلفاء سوريا ومخبريها، ولن تنتهي تداعيات هذا السقوط خلال أشهر، بل ستمتد لسنوات، وسيستثمر التحالف الأميركي هذا الكنز الاستخباري الى اقصى حد، وستزيد خسائر الجميع، وسيسارع البعض لتنفيذ الإملاءات الأميركية، مقابل عدم كشف أسراره ومؤامراته... وهي كثيرة!
وثائق المخابرات السورية... لابتزاز بعض اللبنانيين ــ د. نسيب حطيط
الإثنين 12 أيار , 2025 09:33 توقيت بيروت
أقلام الثبات

