أقلام الثبات
اعتمدت أميركا نظام "الحاكم الإداري الأميركي" بعد غزوها للعراق عام 2003، وعيّنت بريمر، الذي تم تكليفه بتفكيك الدولة وحلّ الجيش واجتثاث حزب البعث وتغيير الدستور، وصناعة منظومة سياسية وفق المصالح الأميركية، تعتمد على التقسيم الطائفي والقومي، والوصاية المباشرة على النظام عبر التواجد العسكري والأمني.
بعد نجاح تجربة الحاكم الإداري في العراق، والذي يماثل وظيفة المفوّض السامي الفرنسي او الإنكليزي، بادرت أميركا لتعيين الحاكم الإداري للبنان مورهان أورثاغوس التي لم تنجح حتى الآن، رغم التعاون والانبطاح اللبناني الرسمي بكل مستوياته معها، بإحداث تغييرات جوهرية على مستوى النظام السياسي والعسكري والأمني في لبنان ،واقتصرت إنجازاتها على استصدار بعض القوانين في مجلس النواب والقرارات الحكومية ضد المقاومة ومنع إعادة الإعمار والتحرش بإيران وتفتيش المسافرين "الشيعة"، خصوصاً من العراق وإيران التي تم حظر طيرانها المدني، لكنها فشلت حتى الآن وستفشل بمهمتها الرئيسية الهادفة لنزع سلاح المقاومة، بعد سبعة أشهر من المحاولات الداخلية، بالتلازم مع الضغط العسكري "الإسرائيلي"، مما سيؤدي ربما إلى تغيير أورتاغوس واستبدالها بشخصية أكثر خبرة وواقعية مثل هوكشتاين، الذي استطاع ربح ملفي النفط و"وقف النار" وفق شروطه، وإقناعنا بانتصارنا الوهمي في ملف النفط!
تطرح الإدارة الأمريكية حلاً للمرحلة الانتقالية في غزة؛ بين وقف الحرب والتهجير او الاستعباد لأهل غزة من خلال تعيين "حاكم إداري أميركي" لغزة بديلاً عن سلطة حماس، ومنعاً للسلطة الفلسطينية، مع تأسيس منظومة إغاثة بديلة عن "الأونروا" التي ترعى اللاجئين، بهدف إلغاء صفة "اللاجئ" عن الفلسطينيين ،وصولاً إلى إلغاء حقهم في العودة، ولتبرئة "إسرائيل" من تهمة تهجيرهم واحتلال وطنهم وتوصيفهم "كمشرّدين" ستشفق عليهم أميركا بإيجاد مراكز إيواء لهم في الدول العربية والأجنبية، لإفراغ غزة وفق مشروع "ترامب" السياحي - الاقتصادي.
أما في سوريا فقد نجحت أميركا ،بتنصيب حاكم إداري "مؤقت" متعدّد الآباء السياسيين، بانتظار تعيين حاكم إداري أميركي يرعى "الفيدرالية السورية" القادمة والتي بدأت إسرائيل وتركيا والجماعات التكفيرية وبقرار أميركي، برسم حدودها الديموغرافية القائمة على الانتماء المذهبي والطائفي والقومي.
تعتمد الإستراتيجية الأميركية للسيطرة على الشرق الاوسط على الركائز التالية :
- الوجود العسكري الرمزي ضمن قواعد محصّنة لا تختلط بالجمهور العام والقتال "البديل" بالجيوش والجماعات التكفيرية
- تعيين حكام إداريين اميركيين مباشرين ، يقودون السلطات المحلية المعيّنة والمُنتخبة شكلياً او دستورياً، كما هو الحال في العراق ولبنان وفلسطين.
- تعيين ملوك ورؤساء وأمراء ،ينفّذون الأوامر الأميركية اما مباشره من الرئيس الامريكي او عبر السفراء والمبعوثين الأميركيين .
- الاحتفاظ بأوراق ضغط شعبية عبر أحزاب محليّة ،أكثرها يحمل الفكر الديني واستعمالها ،كتهديد دائم للنظام في حال التقصير او التمرّد وإنهاء خدماته ،بالانقلاب عليه وفق الديمقراطية الأميركية، وتكون نهايته ،مسجوناً أو مقتولاً او منفيّاً.
تستخدم أميركا في منظومتها السياسية لقيادة الشرق الأوسط معارضات دينية متطرّفة بعد سقوط الأحزاب القومية والوطنية واليسارية ،لأن تحريك شعوب الشرق الأوسط، يرتبط بمفتاح الفتوى الدينية وتسهل قيادته وتعبئته من الباب الديني ،فاستثمرت ما أسّسه الإنكليز سابقاً من أحزاب دينية ضمن الإسلام السياسي السنّي من (حزب التحرير والحركة الوهابية و.. و..)، وأضافت أميركا إليهم الجماعات التكفيرية المتعدّدة الأسماء والجنسيات من (القاعدة والأفغان العرب وداعش والنصرة وتحرير الشام وبوكو حرام وغيرها) وتم تدجين وبرمجة هذه الجماعات والأحزاب عقائدياً، وتوجيهها بعدم قتال إسرائيل وتسخير كل قواها للقتال "الفتنوي" بين المسلمين ضد كل المذاهب السنيّة والشيعية والعلوية والدرزية والمسيحية والأزيدية وكل من يخالفها الرأي من العلمانيين واليساريين والقوميين .
ان مقاومة المشروع الأميركي ومنظومة الحكام الإداريين الأميركيين المباشرين او بالنيابة كرؤساء وأمراء وملوك، تستدعي فتح باب الحوار مع الأحزاب والجماعات الإسلامية التكفيرية ، لتأمين وقف نار معها وتجميد التكفير للوصول الى المساكنة أو التحالف معها، لمواجهة المشروع الأميركي - "الإسرائيلي".
تحكمنا أميركا بحكام أميركيين مباشرين او بحكام محليين يحملون رتبة "شاويش القاووش"، فيتم تنصيب الحاكم بلقب رئيس او ملك او أمير او زعيم سياسي، وتحويل الشعوب والطوائف الى معتقلين وأسرى في "قاووشٍ" اسمه "الوطن"... وتخرّج الرؤساء والقادة من سجن "بوكا" في العراق بعدما كانت تخرّجهم من الأكاديميات العسكرية البريطانية.
أميركا... ونظام الحكام الإداريين للمنطقة ــ د. نسيب حطيط
السبت 10 أيار , 2025 10:14 توقيت بيروت
أقلام الثبات

