خاص االثبات
تمرّ قناة "الجديد" اليوم بمنعطف خطير، ليس على مستوى المضمون الإعلامي فحسب، بل في هويتها السياسية وخطابها التحريري.
فبعد سنوات من الترويج لنفسها كمنبر حرّ يعادي الاحتلال ويقف مع "قضايا الأمة"، تبرز مؤشرات مقلقة على انتقالها التدريجي إلى معسكرٍ سياسي يغازل التطبيع، ويمسّ بالمحرمات التي شكّلت جزءاً من شرعيتها أمام جمهورها.
الحديث عن تعميم داخلي يفرض على محرري القناة التخفيف من لهجة العداء تجاه الكيان المؤقت، واستبدال مصطلحات جوهرية تتعلق بالاحتلال، لا يمكن قراءته إلا كخطوة تمهيدية للالتحاق بمحور سياسي إقليمي بات يرفع راية الانفتاح على "إسرائيل" من بوابة أبو ظبي وتل أبيب.
وهذا التحول، إذا تأكد واستمر، لن يمرّ بلا أثمان، أولها وأخطرها خسارة الثقة الشعبية.
في لبنان، الانتماء الإعلامي ليس مجرد خيار مهني، بل جزء من معادلة طائفية وسياسية مركّبة.
الجمهور المسيحي الذي يوزع ثقته بين MTV وLBCI، لا يرى في "الجديد" أكثر من منصة ظرفية تستخدم الملفات لضرب خصومها، سواء كانوا من "القوات اللبنانية" أو من "التيار الوطني الحر".
أما جمهور "المردة" واليسار والقوميين، فرغم ظهوره المتقطع على الشاشة، فهو لا يشكل قاعدة ثابتة تضمن الاستمرارية.
الجمهور السني، من جهته، لا ينسى الهجمات المتكررة التي شنّتها القناة على رموزه، من الشهيد رفيق الحريري إلى سعد الحريري، تحت رعاية قطرية استمرت لسنوات.
هذا الجمهور الذي بات يشعر بالعزلة في الخطاب الإعلامي، لن يجد في "الجديد" اليوم منبراً موثوقاً، بعدما تقلبت مواقفها بتقلب التمويل.
أما الجمهور الشيعي، الذي لطالما كان لخطاب "الجديد" فيه مساحة، فقد بدأ فعلياً بسحب الغطاء المعنوي عنها، خصوصاً بعد الإساءة الأخيرة التي طالت أحد أبرز الرموز الدينية السيد الشهيد الأسمى، ضمن سردية يُعتقد أنها جزء من مشروع أكبر يعمل على تفكيك البنية العقائدية للمجتمع المقاوم. هذا الجمهور، حين يصدر "الحُرُم الإعلامي"، يخرج من يتعرض له من المشهد الشعبي والإعلامي إلى غير رجعة.
ثمّة من يصرّ على تصوير "الجديد" كمنصة لمكافحة الفساد، لكن الوقائع تفضح الكثير: من المشاركة في صفقات الكهرباء، إلى التورط في قضايا مالية مشبوهة في العراق، إلى علاقاتها السابقة مع رموز الفساد المصرفي، خصوصاً حاكم مصرف لبنان السابق. من يتورط في الفساد لا يمكنه أن يكون رقيباً عليه.
ما يحدث اليوم ليس مجرّد تغير في السياسة التحريرية، بل انقلاب جذري على تاريخ مهني كان، رغم التناقضات، يحظى بشيء من المصداقية. التحاق "الجديد" بالمحور الإسرائيلي، ولو تحت عناوين مموّهة، هو بمثابة رصاصة الرحمة في جسد وسيلة إعلامية اختارت بملء إرادتها أن تنسحب من وجدان الشارع اللبناني.