خاص الثبات
فلتان القوات اللبنانية: تهجّم ممنهج على رئاسة الجمهورية وتوهين للعهد!
لا يخفى على أحد حجم التهجم الممنهج الذي يمارسه حزب القوات اللبنانية بحق رئاسة الجمهورية، وكأن هذه المؤسسة الدستورية لم تعد تستحق شيئًا من الاحترام أو التقدير. فبعدما شبّه رئيس الحزب، المدعو سمير جعجع، العهد الرئاسي بـ"عهد أبو ملحم"، في إشارة تهكمية تنزع عن العهد صفته السيادية، عاد المسؤول الإعلامي في الحزب، المدعو شارل جبور، ليأخذ الخطاب إلى مستوى من الانحدار غير المسبوق، واصفًا طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس لمناقشة مصير سلاح "حزب الله" بـ"طاولة الحمار".
هذه العبارات لا تندرج فقط في خانة التعبير السياسي الحاد، بل تنحدر إلى مستوى الإهانة الصريحة والتوهين العلني لموقع رئاسة الجمهورية، وتشكل تجاوزًا خطيرًا لكل ما تبقى من أصول العمل السياسي المحترم، وتفضح ذهنية لا تؤمن بالحوار قدر إيمانها بالإلغاء والتجريح والتموضُع على أنقاض الآخرين.
الرئيس جوزاف عون، بكل ما يُقال ويُكتب عن ادائه السياسي، يبقى رمز الدولة، والتهجم عليه بهذا الشكل لا يمس به كشخص، بل يمس بموقع الرئاسة المارونية في نظام طائفي هشّ، يحتاج إلى ما يعزز رمزيته لا ما يهدمها. وإذا كانت القوات اللبنانية تجد في الانتقاص من العهد وسيلة لحصد شعبية في الشارع المسيحي، فهي بذلك ترتكب خطيئة استراتيجية مضاعفة: أولاً، لأنها تضرب صورة الدولة التي يدّعون الدفاع عنها؛ وثانيًا، لأنها تُظهر نفسها كمجرد قوة انتقامية لا تمتلك إلا الخطاب التصادمي والعقد التاريخية.
ما يسعى إليه حزب القوات في هذه المرحلة واضح: تقديم نفسه على أنه "البديل المنقذ"، مستغلًا كل تراجع أو فشل، ليظهر بموقع المخلّص الوحيد للشارع المسيحي. ولكن أي خلاص يُرجى من حزب يحوّل طاولة الحوار إلى مهزلة كلامية؟ وأي دولة يُبنى لها مستقبل إذا كان الاحترام لمؤسساتها يُدهس بهذه الطريقة على شاشات التلفزة وفي وسائل الإعلام؟
المسؤولية هنا لا تقع فقط على القوات اللبنانية، بل على كل من يصمت أو يبرر هذا الخطاب. فالسكوت عن هذه اللغة هو تواطؤ موارب في هدم ما تبقى من هالة الموقع الرئاسي. وإذا لم تكن هناك محاسبة سياسية ومعنوية لهذا الانزلاق، فإن الساحة اللبنانية، والمسيحية تحديدًا، ستتحول إلى مسرح صراخ مفتوح، يغيب عنه المشروع الوطني وتغلب عليه المزايدة الشعبوية.
لبنان لا يحتاج إلى مزيد من التراشق بالنعوت، بل إلى لحظة وعي وطني، تحترم فيها القوى السياسية المقامات الدستورية، وتُعيد النقاش إلى مستواه الجدي. أمّا تحويل البلاد إلى حلبة لتصفية الحسابات على حساب رأس الدولة، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار والتفكك.