أقلام الثبات
قبل ثلاثة أيام من عيد الفطر، جرى الحديث عن مقترح مصري يقضي بوقف إطلاق النار في غزة لمدة 50 يوماً، ضمنها أسبوع بمناسبة العيد، وإطلاق "حماس" سراح خمسة رهائن "إسرائيليين" كل أسبوع مقابل إطلاق العدد النسبي المعتاد من الأسرى الفلسطينيين، لكن نتانياهو سارع إلى رفض هذا المقترح، وأعلن الاستمرار بالضغط العسكري على حركة "حماس" والتفاوض معها تحت النار، لأن القوة وحدها كفيلة بتحرير الرهائن.
وفي الوقت الذي كان وفد من المخابرات المصرية متجهاً إلى الدوحة لتسويق المقترح المصري على طاولة المفاوضات، كان يجري إعداد هجوم للجيش "الإسرائيلي" (وفق موقع "معاريف") لدفع المدنيين الفلسطينيين من شرق القطاع إلى غربه، وذلك عبر فتح ثلاث جبهات؛ من الشمال والوسط والجنوب، بحشدٍ من خمس فِرَق عسكرية، والاكتفاء في المرحلة الأولى بحصر أبناء غزة غرب القطاع جهة البحر، على أن تكون المرحلة الثانية دفعهم جنوباً نحو محيط رفح والحدود المصرية، وتحديداً إلى النصيرات وتل السلطان، ضمن خطة تتواءم مع المشروع التهجيري للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ما انفكت إدارته عن التواصل مع بعض الحكومات الآسيوية والإفريقية، لاستضافة نحو مليوني فلسطيني ينوي إفراغ القطاع منهم، في حال استمرار كل من مصر والأردن برفض تهجيرهم إليهما.
البعض في الداخل "الإسرائيلي" يعتبر أن العدد المتوقع من الرهائن الأحياء في قطاع غزة بات قليلاً، وأنه ليس على حكومة نتنياهو أن "تفرمل" هجوم الجيش من أجل العدد المتبقي على قيد الحياة، لكن محاذير الهجوم على غزة من الناحية العسكرية لا توحي بأن هذا الهجوم سيكون نزهة، بسبب وجود أنفاق ما زالت متاريس جيدة لعمليات المقاومة.
إضافة الى تقييم جدوى الهجوم البري لتجميع الفلسطينيين في غرب القطاع، ومن ثم دفعهم بمحاذاة الساحل إلى الجنوب، والضغط العسكري عليهم للانتقال إلى سيناء، جاء على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال إجابته في احتفالية ليلة القدر، على مسألة توطين الفلسطينيين في سيناء بالقول: "ما حدِّش يقدر يعمل حاجة"، واعتبر مراقبون، تناقلوا عبارة السيسي في وسائل الإعلام الدولية، أنها ردّ على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يكرر الضغط على مصر سواء بقطع المساعدة الأميركية عنها، أو بفرض عقوبات عليها عبر صندوق النقد الدولي وبعض قنوات التمويل وشركات الاستثمار الكبرى.
على المقلب الآخر من الحدود، وبصرف النظر عمّا ترتكبه "إسرائيل" من عدوان على السيادة اللبنانية، ومن انتهاكات للأراضي السورية في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، فإن "إسرائيل" نفسها صنًّفت جنوب لبنان شيعياً ومن الخطر عليها البقاء فيه، وجنوب سورية درزياً لا يطأ أرضه سوى الدروز، وجنوب قطاع غزة قبائل سيناء الرافضة لأي تهجير من غزة إليها، وما على "إسرائيل" مهما تغطرست، سوى التأقلم مع دكتاتورية الجغرافيا، والتعايش مع انعدام الأمن في كيانها، وسط ثمانية ملايين فلسطيني بين الضفة والقطاع لا حلَّ معهم سوى إقامة دولتهم على أرضهم، أو الإستعداد لحربٍ مع مصر في حال الضغط العسكري على الحدود مع سيناء، ولا خيار أمام مصر سوى دخول هذه الحرب، كي لا تسقط الدولة المصرية ويسقط معها السيسي.