عذرًا يا سماحة المفتي حسون... لك الله ودعاء المستضعفين ـــ حسان الحسن

السبت 29 آذار , 2025 03:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

منذ ظهور الإسلام، ثم انتشاره في مختلف أنحاء المعمورة، ومذ وصوله إلى بلاد الشام وانتشاره في شكلٍ واسعٍ فيها، تميز المسلمون في "الشام" بميزةٍ خاصةٍ بهم، وهي "الاعتدال والانفتاح على الآخر" عبر التاريخ، لذا عرف هذا الدين في هذه المنطقة بـ "الإسلام الشامي" أو "الإسلام الصوفي"، أي (الإسلام المعتدل)، وهذه المقولة جسّدها المسلمون في تلك البلاد في نمط حياتهم وصيغة عيشهم الواحد، والدليل القاطع إلى ذلك، وجود التنوع الديني والإثني، والتعددية الثقافية في المشرق العربي، أضف إلى ذلك تمسك أهالي هذه المنطقة بالحفاظ على المقامات والآثار الدينية وغير الدينية لمختلف مكونتها، منذ ظهور الإنسان حتى اليوم. ولم تبادر الدول الإسلامية التي تعاقبت على حكم المشرق، إلى محو أثر أي مكونٍ من مكوناتها، أو حتى من الشعوب التي سكنتها أو مرت بها أي (المنطقة)، عبر التاريخ.

وفي الواقع، شكّلت سورية "منارة الإسلام الحضاري"، منذ ظهوره حتى سقوط الدولة فيها، بواسطة المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة في أواخر العام الفائت. وها هي اليوم، تقترف جرائم الإبادة الجماعية في حق كل من يختلف مع "النهج التكفيري- الإلغائي"، ناهيك بالاعتداءات على المقامات الدينية وسواها، التي يرتكبها هؤلاء الإرهابيون التكفيريون الذين قدموا من مختلف أنحاء إلى سورية، وزج بهم فيها، لتخريبها، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وضرب بنية الدولة فيها، خدمةً لمصالح إقليميةٍ ودوليةٍ.

ولعل أقذر ما اقترفه التكفيريون أخيرًا، هو اختطاف العالم العارف بالله وصوت الاعتدال المفتي السابق للجمهورية العربية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون، في المنطقة الحرة في مطار دمشق الدولي، في الأيام الفائتة، عندما كانت متجهًا إلى الأردن، لإجراء عملية جراحيةٍ في مستشفيات المملكة الهاشمية. وتظهّر الإجرام التكفيري في أبشع صوره، إثر نشر ما يعرف بـ "الأمن العام في جبهة النصرة الحاكمة في دمشق"، صورةً للدكتور حسون المسن، معصوب العينين. ذنبه الوحيد، تمسكه بنهج الاعتدال والتسامح، حتى مع من قتلوا ولده، وعبثوا بضريح والده. والمؤسف أننا لم نسمع صوتًا عربيًا رسميًا، أو حتى روحيًا، يقول: "إن ما يحدث من إجرام في سورية، مدان، أو مرفوض على الأقل". بل ترك سماحته لمصيره، بين أيدي المجرمين التكفيريين. هذا الرجل الذي نادى بالاعتدال الإسلامي في أهم الصروح العالمية، ولاقى كل الإعجاب، فكان خير من مثّل السماحة، وسط تصاعد موجات التكفير والإرهاب في هذه المنطقة والعالم. دخل هذا الداعية الإسلامية، الكنائس، ونقل إلى المسيحيين والعالم أجمع، رأي الإسلام الحنيف، بالسيد المسيح عليه السلام، وتقديسهم له، فصار سماحته مثالًا لحماة الوحدة الوطنية والتلاقي والأخوة بين أبناء هذه المنطقة.

ودافع حسون عن حق الشعوب المظلومة بمقاومة الاحتلال، نصرةً لهم على الظالمين، لا بل ناصر قضايا المظلومين أيمنا وجدوا، وكان دائمًا يدعو إلى العفو والصفح، متعاليًا على الجراح، صابرًا محتسبًا على ما أصابه، ولم يخش في الله لومة لائم، فكان جهارًا ونهارًا يطالب الرئيس السوري السابق بشار الأسد بإصدار عفوٍ عامٍ، حتى عمن تورط في قتل ساريا أحمد حسون، نجل المفتي.

هذا الداعية الذي كان له الأيادي البيض في إطلاق مختطفين في العراق وسواه، مرضاةً لله لا غير، اليوم يترك لمصيره بين أيدي المجرمين. 
لك الله ودعاء المستضعفين والمظلومين في هذه الأيام المباركة، يا سماحة الدكتور... وعذرًا على التقصير.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل