سورية بين فوضى الجولاني والاحتلالات متعددة الجنسيات

الجمعة 07 آذار , 2025 03:09 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

بعد 90 يومًا من انهيار الدولة السورية، غرقت البلاد في دوامة من الفوضى، وسط موجة انتقام طالت العديد من الأقليات، وعلى رأسها الطائفة العلوية، التي حُمِّلت تبعات سياسات النظام السابق.

لم يكن صعود "جبهة النصرة الإرهابية"، التي تحوّلت لاحقًا إلى هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، إلى الواجهة مجرد مصادفة، بل جاء كجزء من مشهد أكثر تعقيدًا. فالجولاني لا يُنظر إليه كغاية بحد ذاته، بل كأداة ظرفية تُستخدم لتمزيق سورية إلى كيانات طائفية وإثنية، تحت مظلة مشاريع فيدرالية أو كونفدرالية. الهدف الأبعد لهذا المخطط هو تغيير موقع سورية الاستراتيجي في الإقليم، وإزاحتها عن محور المقاومة إلى محور التطبيع مع (إسرائيل)، التي تسعى إلى توسيع نفوذها جنوب البلاد.

وكما جرى في أفغانستان خلال الثمانينيات، تُعاد التجربة ذاتها في سورية، حيث تم استقدام مقاتلين تكفيريين من مختلف أنحاء العالم، لا سيما من الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي مثل تركستان وأوزبكستان وطاجيكستان.

هؤلاء المقاتلون باتوا رأس الحربة في تنفيذ عمليات إبادة ممنهجة تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي السوري وإضعاف الأقليات، مما دفع تلك الأقليات إلى اتخاذ تدابير دفاعية ذاتية وسط حالة من الانهيار الأمني.

بدأت ملامح التفكيك تتجلى بوضوح، إذ تبرز المخاوف لدى الطائفة الدرزية من سيطرة "الجبهة الإرهابية"، الأمر الذي دفع بعض الأصوات الدرزية إلى البحث عن بدائل، وصلت إلى حدّ التفكير في خيارات خارجية لضمان الأمن والاستقرار.

في الوقت ذاته، يصرّ الأكراد على الاحتفاظ بسلاحهم، ورفض الخضوع لأي سلطة لا تضمن لهم حكمًا ذاتيًا مستقلًا.

أما في الساحل السوري، فقد وجد العلويون أنفسهم في فخ التسويات الوهمية، إذ أُجبروا على تسليم سلاحهم، ليُنظر إليهم لاحقًا كخصوم سياسيين ومجرمين دينيين.

إلا أن هذا الواقع دفع أهالي الساحل إلى انتفاضة دفاعية تسعى لحماية الذات والوجود، مما يطرح احتمالين: إما الصمود، الذي قد يفرض واقعًا فيدراليًا، أو السقوط في مجازر دامية قد تعيد رسم المشهد الدموي السوري بأكثر صوره وحشية.

وسط هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى موقف روسيا، التي قد تكون أدركت أنها وقعت في فخ الخديعة الغربية، خصوصًا فيما يتعلق بالتوازنات في أوكرانيا.

لذلك، قد تسعى موسكو إلى إعادة التموضع عبر دعم انتفاضة الساحل للحفاظ على موطئ قدم استراتيجي في المياه الدافئة.

من جهة أخرى، يبقى الصراع الإقليمي بين تركيا والدول العربية، إضافة إلى التوتر التركي-الإسرائيلي، عاملًا رئيسيًا في تحديد مستقبل سورية. كما لا يمكن إغفال دور محور المقاومة، الذي يسعى إلى استعادة ممره السوري إلى لبنان، لإحباط المخططات الغربية الرامية إلى حصاره اقتصاديًا وأمنيًا.

اليوم، تقف سورية عند مفترق طرق خطير؛ فالجماعات التكفيرية ليست بديلاً عن الدولة، بل تعمل على توسيع رقعة "إمارة إدلب" نحو "إدلب الكبرى"، مما يمنح الجولاني نفوذًا أوسع.

الأيام القادمة ستكون حاسمة في تقرير المصير، فإما السير نحو نظام فيدرالي أو كونفدرالي، أو الانزلاق في أتون الفوضى والدماء.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل