أقلام الثبات
البيان الختامي للقمَّة العربية الطارئة في القاهرة، لم يأتِ مفاجئاً لناحية غياب موقف عربي جامع يكون بمنزلة خطة طوارئ، سواء في مقاربة الخطر الوجودي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، أم الخطر الداهم الذي يهدد كيان الدولة السورية من الشمال والجنوب، مع استمرار خطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة مقابل شجب عربي كلامي، وصمت مُلتبس حيال الخطر التركي على البوابة الشمالية لسورية، والخطر الصهيوني على بوابتها الجنوبية.
ولعل أخطر ما في تشريع البوابتين لتمزيق وحدة سورية، أن الأكراد في إصرارهم على الحكم الذاتي في الشمال الشرقي، يستجلبون التدخل التركي للهيمنة على شمال سورية حتى حدود حمص، والدروز في رغبتهم بحكم ذاتي منذ العام 2011، استقدموا العدو الصهيوني الى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء والريف الدمشقي.
قد تكون القِمَّة المُصغَّرة التي عُِقدت في الرياض بتاريخ 21 شباط فبراير الماضي، بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قد اختطفت مسبقاً وهج قِمَّة القاهرة الطارئة في الرابع من آذار مارس الحالي، لا بل تسببت بغياب الكثيرين من الزعماء العرب على مستوى القادة، وقد جاء التبرير الجزائري لغياب الرئيس تبون عن قمَّة القاهرة وتلاه الرئيس التونسي، بأن التحضير لِقِمَّة القاهرة حصل في الرياض بين قادة الدول السبع دون التنسيق مع بقية الدول العربية الأخرى.
والواقع أن الحضور في قِمَّة الرياض التشاورية بتاريخ 21 شباط فبراير الماضي، كان له وقع الأحجام الكبيرة على طاولة بحث الصراع العربي "الإسرائيلي" أكثر من قِمَّة القاهرة، لأنه ضمّ إلى جانب ولي العهد السعودي، أمير قطر، ورئيس دولة الإمارات، وأمير الكويت، وملك البحرين، والرئيس المصري، وملك الأردن، وهؤلاء القادة قد يكونون ممسِكٍين بملف غزة أكثر من القادة الآخرين الذين حضروا إلى قِمَّة القاهرة أو أرسلوا ممثلين عنهم، بحيث بَدَت قِمَّة القاهرة وكأنها منبر إعلامي لإذاعة بيان تمت صياغته أصلاً في الرياض لتبني الخطة المصرية كَرَدّ على خطة الرئيس الأميركي.
ويَصحُّ القول إنه كما أن "اشتباك" ترامب مع زيلنسكي أيقظ أوروبا وتنادت دول الناتو إلى وجوب تسليح نفسها للدفاع الذاتي، بمعزل عن التغييرات التي تُحدثها أية انتخابات رئاسية أميركية، فإن خطة ترامب لتهجير سكان غزة، أدرك الملك الأردني كيفية الرد عليها دون "اشتباك"، وأيقظت الدول العربية ودفعتها للدفاع -ولو الكلامي لغاية الآن- عن حقوق الفلسطينيين بسيادتهم على دولة فلسطينية تضمّ القطاع والضفة ولكن، كما رفضت الدول العربية خطة تهجير أبناء غزة، رفضت كل من أميركا و"إسرائيل" بيان قِمَّة القاهرة.
ورغم المواقف العربية المقبولة نوعاً ما من القضية الفلسطينية، فإن الخطر الصهيوني بات يهدد بشكل عام كل محيط فلسطين المحتلة، وعلى امتداد خط أفقي من الناقورة في جنوب لبنان، مروراً بالنقاط الخمس التي يُناور حولها العدو في القطاعين الأوسط والشرقي، وصولاً إلى جبل الشيخ ومنه إلى القنيطرة ودرعا والسويداء في جنوب سورية.
هنا يكمُن القصور العربي في تقدير المخاطر، وإهمال إنشاء غرفة طوارئ لوضعٍ عربي تلزمه عناية فائقة، وإذا كان لبنان متروكاً لمصيره منذ حررت مقاومته الأرض عام 2000 وحققت النصر عام 2006، وواجهت العدوان عامي 2024 و2025، فإن الوضعين الفلسطيني والسوري يقرعان بوابة الأردن من الضفة الغربية ومن درعا، وبوابة مصر من معبر رفح ومحور فيلادلفيا.
ولعل أسوأ ما تسرَّب من كواليس القِمَّة الطارئة في القاهرة، أن غياب التمثيل السعودي رفيع المستوى، سببه أن المملكة ليست على استعداد للمساهمة بإعادة إعمار غزة ما لم يُساهم سواها من الفرقاء الإقليميين والدوليين، والإمارات غير مستعدة نهائياً للمساهمة ما دامت حركة حماس باقية في القطاع.
ومع إبداء حركة حماس ليونة مع سلطة رام الله وباقي الفصائل الفلسطينية بشأن حُكم قطاع غزة، فإن نقطة القوة المركزية للعرب هي في غزة، أولاً لأن لا قدرة لأحد على تهجير سكان القطاع بالوسائل العسكرية خاصة بعد تحقيق العودة إلى شمال القطاع، وثانياً لأن مَن بقي من الرهائن لدى المقاومة سواء كانوا أميركيين أو صهاينة، هم أغلى الأسلحة بيد هذه المقاومة التي تكاد تُجبر ترامب لإجراء محادثات مباشرة مع حركة حماس، وهذه المباحثات يجب أن ترعاها جهات دولية لمنع الغدر بمستقبل الفلسطينيين من طرف أميركا و"إسرائيل"، وكل رهينة أميركية بيد الفلسطينيين في هذه الظروف، أهم من كل الأسلحة الأميركية بيد الصهاينة، ولن تتحقق الدولة الفلسطينية سوى على أيدي الفلسطينيين بحرمان المجتمع الإسرائيلي من الأمان، سواء بالدهس والدعس أو بعودة ثورة السكاكين.