هيمنة واشنطن على الحكام العرب .. التواطؤ الصامت أمام معاناة غزة

الثلاثاء 04 آذار , 2025 09:00 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

منذ اندلاع العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، انكشف لنا حقيقة جديدة عن "دور" كبير لبعض الحكام العرب في قضايا الأمة. بعد أن اختزلت قممهم في شعارات فضفاضة عن إعادة الإعمار، وتضامنهم الذي لا يتجاوز التصريحات، وجدت فلسطين، وخصوصاً غزة، نفسها وحيدة في مواجهة آلة القتل والتجويع (الإسرائيلية). ورغم كثرة القمم والمُؤتمرات، لا تزال السلطة الفلسطينية، ممثلة في سلطة رام الله، تلعب دورًا غير محايد في دعم المقاومة، بينما يواصل الاحتلال تنفيذ سياساته القمعية الممنهجة دون أي رد فعل فعّال من الدول العربية.

الإهانة الإسرائيلية والتواطؤ الأميركي

يُعتبر قرار الاحتلال بوقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، قبل يومين فقط من انعقاد قمة القاهرة الطارئة، إهانة مباشرة لجميع الحضور والمقاطعين. ليس فقط لأنه اعتداء مباشر على إنسانية الشعب الفلسطيني، بل لأنه جاء في توقيت مقصود للغاية: بداية شهر رمضان المبارك. لقد كان هذا القرار رسالة واضحة من إسرائيل وحليفها الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، مفادها: "أنتم لا شيء، وأي تحرك منكم لن يغير الواقع".

الذي يعزز من هذه الإهانة هو تجاهل الحكام العرب لما يحدث في غزة. بينما كان هناك حديث واسع عن "إعادة الإعمار"، لم يكن هناك أي تحرك حقيقي لدعم الفلسطينيين في محنتهم. بدلاً من أن تكون هذه القمة خطوة نحو تحريك الساحة العربية لمصلحة القضية الفلسطينية، بدت وكأنها محاولة لتسويق مواقف فارغة تحاول إرضاء واشنطن والتقرب منها.

الهيمنة الأميركية وغياب الإرادة العربية

لا يمكننا تجاهل دور الولايات المتحدة الأمريكية في تعطيل أي تحرك عربي حقيقي في هذا الصدد. فعلى الرغم من المواقف الرسمية التي يُعلن عنها في القمم والمناسبات، إلا أن النفوذ الأميركي على الحكام العرب يظل طاغياً. وهذا يظهر بوضوح في التردد والتخاذل العربي حيال ما يحدث في غزة. فالعلاقات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة تعدّ أهم من أي قضية عربية أو إسلامية. وفي الوقت الذي تفرض فيه واشنطن عقوبات على أي دولة تحاول مناصرة فلسطين، نجد أن الحكام العرب يتصرفون بحذر شديد، بل وتجاهل تام لواجبهم في دعم المقاومة الفلسطينية.

إن الضغوط الأمريكية على هذه الأنظمة تعد أحد الأسباب الرئيسية التي تمنعهم من اتخاذ أي خطوة حاسمة في اتجاه دعم القضية الفلسطينية. وقد تجلى ذلك في موقف بعض الأنظمة العربية التي تتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير معلن، وتعمل على التقارب مع واشنطن على حساب قضية القدس وغزة. لقد أصبح من الواضح أن السياسة الأمريكية التي تتسم بالازدواجية تضع الحكام العرب في موضع حرج، حيث يُطلب منهم في كل مرة إظهار "التهدئة" مع الاحتلال الإسرائيلي بدلًا من تبني مواقف دعم حقيقية للفلسطينيين.

التجويع سلاحٌ فتاك

أما في غزة، فلا يلوح في الأفق أي حل ملموس، بل على العكس، يجد الشعب الفلسطيني نفسه في مواجهة مع أقوى الأسلحة الإسرائيلية: "التجويع".

لا يقتصر الأمر على القصف الجوي والبرّي، بل يتم استخدام حرب اقتصادية للتنكيل بالملايين في القطاع المحاصر.

ختاماً، في ظل هذا المشهد القاتم، تتضح حقيقة لا يمكن إنكارها: فلسطين، وخاصة غزة، تُركت وحيدة في معركتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وسط تواطؤ دولي وصمت عربي مخزٍ.

وبينما يواصل الاحتلال سياساته القمعية، تكتفي الأنظمة العربية بالتصريحات الجوفاء دون أي خطوات فعلية لنصرة القضية الفلسطينية.

وفي الوقت الذي يُمارس فيه التجويع كسلاح لتركيع الفلسطينيين، يبقى الأمل معقودًا على صمود الشعب ومقاومته، التي أثبتت عبر التاريخ أنها قادرة على مواجهة كل أشكال العدوان.

فالقضية الفلسطينية لم تكن يومًا مجرد قضية سياسية، بل هي اختبار للضمير الإنساني والعربي، والخذلان المستمر لن يغير حقيقة أن الاحتلال إلى زوال، وأن إرادة الشعوب أقوى من تواطؤ الحكّام.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل