الجيوش الأميركية و"الإسرائيلية" والتركية وتقاسُم سوريا _ د. نسيب حطيط

الأحد 02 آذار , 2025 09:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
بعدما أخلى الجيش السوري مواقعه ورمى أسلحته واستسلم، طوعاً أو إكراهاً أو خداعاً، وتحوّل جنوده وضباطه الى فارّين ومًطاردين ومُعتقلين، بالتلازم مع تدمير "إسرائيل" للترسانة العسكرية السورية من مطارات وقواعد وأنفاق وطائرات والإجهاز على القدرات العسكرية السورية بالكامل، لتصبح سوريا دولة بلا جيش وطني ، بل مجموعات تكفيرية تحكم سوريا على أساس انها "إدلب الكبرى" بعدما حكمت "إدلب الصغرى" لسنوات. 
 إن المخطط الأميركي الذي يتم تنفيذه في سوريا وبشكل متسارع بعد إسقاط النظام، يرتكز على تعميم الفوضى الأمنية والاجتماعية، وعدم السماح بقيام "دولة" بالمعطى الحقيقي، بالإضافة إلى السماح والتشجيع على ارتكاب المجازر ضد الأقليات العلوية والشيعية والدرزية والمسيحية وجزء من "السنة" غير المؤيدين للجماعات التكفيرية، تمهيداً لأن تضطر هذه الأقليات لطلب الحماية الأجنبية او أن تتقبلها لمنع الاعتداءات عليها.
تقوم تركيا، كحليف استراتيجي للعدو "الاسرائيلي"  وكعضو في حلف "الناتو"، ولتحقيق طموحاتها السياسية ومطامعها الاقتصادية في سوريا ،بإدارة ورعاية ودعم السلطة الجديدة في سوريا ، وتعهّدت تركيا ان يكون جيشها الجيش البديل عن الجيش السوري، لحماية النظام الجديد، مع التزامها بحدود جغرافية رسمتها "اسرائيل"، حيث يمنع على الجيش التركي او جبهة النصرة تجاوزها وفق المصالح "الإسرائيلية" المرحلية والإستراتيجية، ولذا فقد وضعت "اسرائيل" خطاً أحمر للسلطة الجديدة في مناطق "الدروز" في السويداء، المرتبطة بالجولان السوري المحتل، ثم تمددت نحو درعا والجنوب السوري مع تأكيدها على انها ستتدخل في سوريا في اي جغرافيا لحمايه الدروز في سوريا "جرمانا وغيرها" وهذا ما أوقف مؤقتاً اشتباكات "جرمانا" ومنع جبهة النصرة التي تمسك بالسلطة من متابعته هجومها على جرمانا بعد التهديد "الإسرائيلي" بالتدخل.
تتقاسم الجيوش الثلاثة (الأميركية - "الإسرائيلية" - التركية) السيطرة على سوريا، مع أفضلية للجيش "الاسرائيلي" للتحرك والتدخل والقصف في أي منطقة في سوريا ،خلاف الجيش التركي الذي سيتم السماح له بالتدخل وفق المصالح الإسرائيلية (لأنها لا تثق بكل عربي او مسلم، بل تستخدمه كأدوات مرحلية وربما اصطدمت بالجيش التركي، لتبييض وجه النظام التركي)، وستعمل أميركا على إطلاق يد الجماعات التكفيرية في سوريا، لارتكاب المجازر ضد الأقليات الإسلامية والمسيحية حتى ينضج مشروع التقسيم والاستعمار المتعدّد الجنسيات ،ولإطالة فترة الفوضى وتقسيم  سوريا، بالمعطى الجغرافي والسياسي وألأمني ومحو الهوية الوطنية والقومية وتخريب النسيج الاجتماعي والديني، لاستيلاد سوريا الجديدة، خارج الإطار العربي وإلزامها بالتطبيع والسلام مع اسرائيل ومواجهة حركات المقاومة والتنازل عن كل ما تحتاجه تركيا داخل الجغرافيا السورية.
سيتم السماح لجبهة النصرة باستلام السلطة مؤقتاً ،لتنفيذ المشروع الأميركي ، وإبقاء الفوضى الداخلية والصراع الدموي الذي يمكن أن يستمر، لعشر سنوات، كما هو الأمر في ليبيا بعد اسقاط "القذافي" وكما هو الحال في السودان بعد تقسيمه الى جنوب وشمال ثم شمالٍ يعيش الحرب الأهلية.
ستعمل اميركا لاستنساخ النموذج الليبي في سوريا، لأهميتها الجيوسياسية والتي تستطيع فيها أميركا من إقلاق وتهديد ثلاثة دول محورية في المنطقة (لبنان والعراق والأردن) بشكل مباشر وتهديد غير مباشر لإيران وروسيا التي يمكن ان لا تجني ثمن تخليها عن سوريا .
ان إفشال المشروع الأميركي، لا يمكن إلا بأيدٍ سورية داخلية (أما شكل النظام فهذا شأن الشعب السوري)، لإنقاذ سوريا والمنطقة من مشروع التقسيم الأميركي والفوضى الدموية ،عبر مبادرة الشعب السوري بكل أطيافه، لمقاومة هذا المشروع وعدم الاستسلام له وعدم الانخراط بقصد او غير قصد بمشروع الحمايات الأجنبية التي ستثبّت التقسيم الواقعي في سوريا وتعدّد الدويلات الطائفية والقومية والإثنية سواء تم الإعلان عنها بشكل رسمي او بحكم الامر الواقع.
تستغل أميركا و"إسرائيل" وتركيا الواقع الفلسطيني في غزة والواقع اللبناني وانشغال العالم العربي ودول الجوار ، بالحرب التي لم تتوقف والتهديد باستكمالها ،لتحييدهم  عما يجري في سوريا وتقييد حركتهم ،لإنقاذها، مما يؤشر ان مساله نهاية الحرب في لبنان او في غزة لن تكون قريبة وسيبقى لبنان وفلسطين تحت التهديد والقصف الدائم ، ربما لسنوات حتى تستطيع المقاومة إعادة هيكلة منظومتها وتثبيت قواعد اشتباك ،تحمي لبنان وفلسطين... وليس هذا مستحيلا، وسيكون بإذن الله.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل