بين الحرب والاحتراب ــ عدنان الساحلي

السبت 01 آذار , 2025 01:24 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تدفع مواقف وتصريحات بعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، لبنان إلى اجواء تشبه أجواء الاجتياح "الإسرائيلي" الذي حدث عام 1982؛ والذي وصلت قواته إلى العاصمة بيروت ودخلت قصر الرئاسة الأولى في بعبدا. ونصبت رئيساً للجمهورية، جرى إعدامه من قبل قوى وطنية، ما تزال تفتخر بما فعلته وتعتبر منفذ العملية بطلا يحتذى به، فيما عقد وريثه في المنصب، اتفاق خيانة وإذعان هو اتفاق 17 أيار المشؤوم، الذي تسبب بحرب أهلية دمرت وأحرقت وقتلت الكثير، من دون أن تشكل، على ما يبدو، عبرة لهذا البعض من اللبنانيين، الذين تعودوا الاستماع إلى ما يمليه عليهم الأميركي، وربما "الإسرائيلي"، باعتبار الأخير بالنسبة لهم جاراً وليس عدواً.
والواقع أن رهانات هذا البعض تترسمل على ما حدث في الإقليم؛ ولا تأخذ في الاعتبار الاختلافات الأساسية، خصوصاً في الواقع الداخلي، بين ما كان قائماً عام 1982 وبين ما هو قائم حالياً.
صحيح أن للتغيير الذي حدث في سورية تأثيره السلبي البالغ، على كل من يتصدى للغزوة الصهيونية، التي اغتصبت فلسطين وتتجه بأطماعها نحو كل جوارها العربي. لكن من يريد المقاومة ومواصلة التصدي، لن يعجز عن إيجاد الطرق والبدائل، بما يكفل مواصلة واجب حماية الكرامة والأرض والسيادة الحقيقية للوطن.
فالقصف والقتل والتدمير والتهجير، الذي تعوّد العدو "الإسرائيلي" ممارسته، بهمجية ترعاها الإدارات الأميركية، على مدار الحقب، هو نفسه لم يتغير، بل ازداد وحشية وهمجية، مع حصول العدو على أحدث أدوات القتل والتدمير الأميركية.
كانت إحدى النتائج العسكرية لذلك الاجتياح، نقل مقاتلي المقاومة الفلسطينية بالبواخر، بحراً إلى منافي في تونس والسودان وغيرها، أعقبها ارتكاب جيش العدو والميليشيات اللبنانية التابعة له، مجزرة صبرا وشاتيلا، مما أعطى حجة قوية للذين كانوا يطالبون بالصمود والقتال ورفض الاستسلام، فثمن الصمود، كما بينت كل المراحل، هو أقل تكلفة من التسليم للعدو بما يسعى إليه.
والمثل السوري ماثل امامنا، فلو قاتل النظام السوري السابق العدو "الإسرائيلي" وشارك في حرب إسناد غزة، أو في إسناد مقاومة لبنان في إسنادها لغزة وفلسطين، لكان إضافة إلى ما سيحصله معنوياً، أوقع خسائر في العدو "الإسرائيلي" تضاف إلى ما خسره العدو في غزة ولبنان، بما لا يستطيع هذا العدو تحمله، ولكانت خسائر سورية في كل الحسابات أقل مما أصابها نتيجة ذلك الموقف، فهي من دون قتال، خسرت جيشها بالكامل وكل أسلحته البرية والبحرية والجوية، مع كل المرافق والمصانع العسكرية. كما خسر النظام نفسه وباتت سورية مهددة بالتفتت، تعاني احتلالاً من أكثر من جهة، بما فيها العدو "الإسرائيلي"، الذي احتل جنوبها ويتمدد في الأماكن التي يريدها. وهذا الأمر برسم الشامتين بسورية، الذين يعملون لفرض الخيار "الإسرائيلي" على لبنان. فالمقاومة أقل كلفة من الاستسلام، والحرب التي يحاول العاقل تجنبها، هي أقل كلفة من الاحتراب الداخلي، الذي يلوح في الأفق، إذا ما واصل صهاينة الداخل خطابهم وسياستهم.
ويعلم اللبنانيون وكل من له صلة بمواجهة الغزوة الصهيونية، أن كل ما تعرض له لبنان منذ اواخر القرن الماضي، وتحديداً منذ الاجتياحين "الإسرائيليين" الأول عام 1978 والثاني عام 1982، أن العدو ومن يواليه ويدعمه، يهدفون إلى تحقيق غايات عدة، أولها ضرب والغاء أي عمل مقاوم لهذا العدو. وثانيها، دفع لبنان ليكون في صفوف الأنظمة العربية المستسلمة للإرادة الأميركية –"الإسرائيلية"، من خلال اعترافها بكيان العدو وتطبيع علاقاتها معه، مع استغلال العدو لهذا الهوان العربي لقضم ما أمكن من الأرض اللبنانية والعربية.
لكن ما يفوت عن بال هذا الحلف الشيطاني، أنه يواجه في لبنان قوى لا يستطيع شحنها بالبواخر ولا كسر إرادتها بالعيش بكرامة وحرية، وقد جربوا معها حرب الإبادة والقتل والتدمير، فما زادها ذلك إلا قوة وعزيمة. فالمقاومة في لبنان لا تخوض حروبا نيابة عن الآخرين ولا تدافع عن بلاد الاخرين، بل تدافع عن ناسها ومدنها وقراها وأرضها، التي يطمع فيها العدو ويمارس فيها احتلالاً واعتداءات، منذ أن وجد الكيان "الإسرائيلي" غير الشرعي. وهي تدرك، كما كل من يحمل فكر مقاومة الغزوة الصهيونية والهيمنة الأميركية، أن التصدي والمجابهة أقل كلفة من الاستسلام، وأن الحرب ضد هذا العدو، تبقى بدورها أقل كلفة من الاحتراب الداخلي، فهل يتعظ المراهنون على الاستقواء بالأميركي و"الإسرائيلي" أنهم يضحون بوطنهم ولو ادعوا غير ذلك.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل