حكومة ما بعد الحرب: "أنا ولا أحد" ــ د. نسيب حطيط

السبت 01 آذار , 2025 01:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
بدأت" أميركا بناء النظام السياسي والإداري والتربوي في لبنان على أساس معاييرها ومواصفاتها وشروطها، لاعتبارها أن الطرف المعارض لسياستها، المتمثل بقوى المقاومة وأهلها قد انهزم في الحرب التي شنّتها "إسرائيل" عليه، ولا زالت مستمرة في عمليات الاغتيال والقصف، بالتلازم مع عدم الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة القديمة والجديدة بما يخالف قرارات الأمم المتحدة 425 1701و "اتفاق تشرين" مع ملحقاته الشفوية من التفاهمات والضمانات الأميركية غير المُعلنة، والتي لن تكون لصالح لبنان.
من أهم ملامح النظام السياسي الذي تبنيه أميركا، إلغاء دور الأحزاب في صياغة في التمثيل الحكومي والإداري والعسكري مع العمل، لتقليص دورها على مستوى تمثيل النيابي او على الأقل عدم احتكار التمثيل النيابي للطوائف خاصة التمثيل الشيعي .
يعمل رئيسا الجمهورية والحكومة ضمن برنامج عمل مخطط ومدروس ومطلوب تنفيذه بالكامل وهذا ما يؤكدان عليه بعنوان "الدولة وحدها" ولا شراكة لأحد مع الدولة و"حصرية السلاح" و"قرار الحرب والسلم بيد الدولة والدولة وحدها.. ولا أحد"!
لقد أعلن  رئيس الحكومة أمام ممثلي الشعب في مجلس النواب، بشكل صريح وواضح ، أنه شكّل الحكومة بناءً على "معاييره" التي وضعها - وقد شدد عليها - وليس وفق معايير  غيره  في إشارة  للنواب ومن يُمثّلون ،أن التعيينات الإدارية والعسكرية ،ستكون وفق معاييره، كرئيس حكومة وليست وفق معايير الأحزاب او المرجعيات الدينية او السياسية، بل سيكون  باب  الترشيحات مفتوحاً ،أمام أصحاب الكفاءة من المواطنين لأي مركز اداري او تربوي والدولة هي التي تختار وتُعيّن مع حفظ المحاصصة الطائفية واستبعاد كل المنتسبين حزبياً بشكل مباشر (كما جرى عند اختيار الوزراء) عند تعيين واختيار المدراء العامون والموظفون وعمداء ومدراء الجامعة اللبنانية وسيتم تعيين أصدقاء الأحزاب او على ضفافها، لضمان احتكار القرار، بيد الدولة  وحصر ارتباط الموظف بالدولة ومؤسساتها وليس بقرار المرجعية الدينية او السياسية او الحزبية التي قامت بتعيينه، ونثبيت "الولاء للدولة" وليس للزعماء والأحزاب.
تبني أميركا، ُمشروعها السياسي والإداري والأمني ،لضمان سيطرتها على النظام عندما تنقلب الأمور عليها ولا تبقى لصالحها ،حيث تعتقد ان القوى المناهضة للمشروع الأميركي، لن تبقى على صمتها وسكينتها او عدم معارضتها العنيفة ،بل أن لحظة التصادم والانفجار آتية وقادمة ،كما حصل في مرات سابقة، مما سيدفع الطرف الأميركي والمقاوم الى تسويات وحلول ،تؤمن مصالح الطرفين وتكون الغلبة فيه للمشروع الأميركي بعد إنجاز التعيينات وفرض الوقائع وغياب القيادات الرئيسة والمُحترمة من طوائفها.
تستفيد أميركا  من تداعيات  الفشل والفساد التي "حكمت" مرحلة حكم الأحزاب والتي اصابت بالضرر وفق تخطيط وذكاء وقرارات أميركية ،أدّت لخسارة اللبنانيين ودائعهم وجنة أعمارهم وثرواتهم وانهيار رواتبهم واضمحلال رواتبهم التقاعدية والحصار الاقتصادي وهجرة الشباب، مما استولد نقمة على الأحزاب او على الأقل عدم رضا ولا بد من الفصل  بين موقف الناس من القضايا السياسية الإستراتيجية ودعم المقاومة والدفاع عنها واحتضانها وبين غضبها وعدم رضاها عن سلوكياتها  في ادارة الدولة والوزارات والمجالس  والبلديات وتطالب ،بتكافؤ الفرص للوصول الى المناصب الإدارية وعدم حصر دخولها من باب الزعيم او الحزب والتنظيم او المرجعية الدينية!
على الأحزاب مراجعة سلوكياتها ونقد تجربتها وفتح أبوابها أمام الناس الذين يؤيدونها وانتخبوها طوال ثلاثين عاماً والتعامل معهم على أنهم أهلها وعدم حصر التعيينات بالمنتسبين والمحازبين او المقاولين او أهل الرشوة والهدايا او المقاسمة للوصول الى المناصب وافساح المجال امام أهل الكفاءة، لنيل حقوقهم بعد استبعادهم وقمعهم وسلبهم حقوقهم طوال 30 عاما وأكثر.
هل تنجح أميركا ... ببناء نظام سياسي وأمني وإداري وتربوي وفق شروطها ؟
هل ستقبل الأحزاب والمرجعيات السياسية والدينية... خسارة شراكتها في قرار التعيينات؟
هل ستتحرك قوى المقاومة أم ستبقى على صمتها نتيجة الظروف ،بانتظار لحظة التمكن من معاودة حراكها؟
لن تتخلى أميركا عن غنيمتها بسهولة، ولن ترضى قوى المقاومة بإحراق ومحو إنجازاتها، مما سيجعل لحظة التصادم أمراً شبه حتمي ومؤكد، دون تحديد التوقيت.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل