معركة التطبيع _ عدنان الساحلي

الجمعة 21 شباط , 2025 09:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
​يشهد اللبنانيون هذه الأيام، آخر حلقات مسلسل التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، الذي يحضّر لفرضه على لبنان. هذا المسلسل الذي تتشارك في إعداده وتنفيذه أقوى دولة في العالم، مع أغنى دولة عربية، بالاشتراك مع رموز الفساد والإفساد المتحكمين بمفاصل الحكم في لبنان، بمن فيهم أدعياء السيادة؛ وهم أنفسهم دعاة الفدرلة والتقسيم حيناً، والحياد حيناً آخر، الذين يروجون لأحضان التبعية، المسماة حضناً عربياً حيناً؛ وحضن المجتمع الدولي حيناً آخر،  فيما المقصود من كل ذلك فرض ضم لبنان إلى طابور عبيد أميركا من الحكام العرب، الذين أقاموا علاقات سرية أو علنية مع كيان الغزاة الصهاينة، الذين يحتلون فلسطين ويهددون بمشروعهم التوسعي والاحتلالي كل المشرق العربي.  
​وكان اللبنانيون قد تعرضوا خلال السنوات السابقة، لظلم وتسلط تحالف ضم جماعات: الفساد والتبعية والتقسيم والتطبيع، عانى اللبنانيون خلالها من سياسة الإغراق في الديون؛ والإسراف في صرف وهدر المال العام، ليشهدوا بعدها مرحلة سرقة أموال الخزينة العامة، من قبل الحكومات المتعاقبة، ثم سرقة أموال المودعين في المصارف، من قبل تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، حيث جرى تهريب تلك الأموال إلى الخارج، لتتبعها مرحلة الإفقار والتجويع، التي ضربت فيها القدرة الشرائية للبنانيين، حيث سقطت قيمة عملتهم المحلية إلى قعر المائة ضعف، تجاه الدولار الأميركي كعملة تداول عالمية، ثم لتستقر على ستين ضعفاً من الخسارة، مما حوّل معظم اللبنانيين إلى فقراء، بعد أن خسروا أموالهم المودعة في المصارف، كما خسروا تعويضات نهاية خدمتهم، التي تدنت قيمتها عشرات الأضعاف. والآن وبعدما نجح المهيمن الأميركي والمموّل السعودي، في فرض تشكيل سلطات لبنانية جديدة حسب مشيئتهم، مستغلين الدعم الأميركي العسكري والمالي والسياسي المطلق، للعدوان "الإسرائيلي" على لبنان، جاء دور نزع سلاح المقاومة، كآخر عقبة (برأيهم) تقف حائلة دون "أسرلة" لبنان وصهينة سلطاته، مادام البديل الطبيعي عن مقاومة العدوان "الإسرائيلي"، هو الاستسلام لشروطه وإملاءاته، المحمولة عبر المبعوثين الأميركيين. 
​وخاضت الولايات المتحدة الأميركية وتابعيها في المنطقة، خصوصاً "إسرائيل" والمملكة السعودية، معركة الحاق لبنان بمشروع دمج الكيان "الإسرائيلي" بمحيطه العربي، بشتى الوسائل والسبل، لإجبار اللبنانيين على التسليم بما يريده العدو "الإسرائيلي"، بعد الغائهم كل مفاعيل الصراع العربي - "الإسرائيلي"، بل وحتى الصراع الفلسطيني - "الإسرائيلي"، عبر إقامة اتفاقات وتحالفات تدمج الكيان الصهيوني بالمنطقة، تبدأ بالتطبيع معه ولا تنته بمسخ الديانات السماوية بديانة مبتدعة، هي "الإبراهيمية"، لتسود فيها اليهودية الصهيونية على بقية الأديان.
​وخطت حكومة نواف سلام، باعتبارها حكومة عهد العماد جوزاف عون الأولى، خطوة واضحة في هذا الطريق، عندما أسقطت حق اللبنانيين في الدفاع عن أرضهم وفي تحرير ما هو محتل منها. وجاء تصريح رئيس الجمهورية عن اعتماد الخيار الدبلوماسي فقط لتحرير الأرض، ليعيدنا عشرات السنين إلى الوراء، متجاهلين أن المقاومة وحدها اجبرت العدو على الانسحاب من أرضنا؛ وهي التي ضمنت ردع عدوانه خلال عقدين مضيا من الزمن. وكذلك، أعادت هذه السياسة، التي ستعتمد خلال الفترة المقبلة، الاعتبار لمقولة "أن قوة لبنان في ضعفه"، عندما كان العدو يردد أنه قادر على احتلال لبنان بفرقة موسيقية، بما يعني خضوع الحكم اللبناني للابتزاز "الإسرائيلي" وتدخله في كل شأن لبناني.
​ويبدو لبنان أمام مفترق طرق خطير، بعدما استكملت الولايات المتحدة هيمنتها ووصايتها عليه، فالأخيرة تضغط بكل قوة على لبنان لينفذ ما تريده "إسرائيل" منه، بدءاً من نزع سلاح المقاومة، وصولا إلى تطبيق مفاعيل اتفاق 17 ايار الذي أسقط عام 1984، بما في ذلك تبادل العلاقات الدبلوماسية وتحجيم قدرة الجيش اللبناني، المحجمة أصلا بالحظر الأميركي المضروب على تسليحه. وبالهيمنة الأميركية المفروضة عليه، عبر ربطه بهبات مالية ومساعدات عسكرية، ممنوع عليه استعمالها ضد العدو "الإسرائيلي". وآخر الشواهد على ذلك عجز الجيش عن فعل أي شيء تجاه أعمال التخريب والتدمير التي يقوم بها جيش الاحتلال، في قرى وبلدات الشريط الحدودي، التي عجز عن دخولها خلال تواجد المقاومة فيها، فانتقم بدخولها وتدميرها بعد وقف إطلاق النار؛ وأقام فيها منطقة عازلة، أمام أعين قوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني.
​والأخطر في هذا الموضوع، هو ربط الأميركيين ملفي الانسحاب "الإسرائيلي" من التلال الخمس، التي بقيت قوات العدو فيها، بملفي الإعمار ونزع سلاح المقاومة، مع تجاهل الأميركيين واهل الحكم في لبنان، للأراضي اللبنانية المحتلة سابقاً، والتي لم يقولوا لنا كيف سيحررونها.
​وهذا الواقع إذا جرى فرضه، سيجعل من لبنان محمية "إسرائيلية"، يقطع فيها دابر المقاومة؛ ويقمع فيها كل صوت معاد للكيان الدخيل القائم فوق أرض فلسطين. ويهدد بانفجار لبناني داخلي، يعيد أجواء ما بعد اجتياح العام 1982، فهل يراعي المعنيون مصلحة لبنان، أم يخضعون لإملاءات من جاء بهم إلى كراسي الحكم؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل