إرث "السيِّد".. وتوريث السيادة ــ أمين أبوراشد

الخميس 20 شباط , 2025 10:53 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كائناً ما كان الكلام مُنصِفاً في سيرة ومسيرة سماحة السيِّد الشهيد حسن نصر الله، فنحن لا نملك سوى صدق القول بمَن كان وعدُه صادقاً، وأن نكون على الدوام شهود حق على ما نسمع وما نرى، في الجنوبيين الذين انطلقوا الى بلداتهم وقراهم بعد دقيقة واحدة من إعلان وقف إطلاق النار مع العدو الصهيوني، سواعدهم بنادق، وصدورهم دروع، وقلوبهم نبضات سيادة، وحناجرهم صرخات كرامة تُناجي ذلك القائد العظيم الذي أورثهم السيادة.

يوم الأحد المقبل، تقرر أن يكون التشييع والتكريم، لمَن تكرَّم به وطن وتكرَّمت أمَّة، واليوم يومه، مهما كانت الظروف السياسية والأمنية والمناخية، لأن الآلاف المؤلفة التي تعشق السيِّد، لا تنتظر دعوات للمشاركة، ولا تحتاج طائرات لنقلها، هي التي أينما كان السيِّد اعتادت أن تكون، سواء كان حاضراً في إطلالاته عبر شاشة صغيرة أو كبيرة، أو بات غائباً بالجسد فيما الروح حاضرة عند طلعة كل شمس، على روابي الزيتون وحقول التبغ والتراب الجنوبي المُنتشي بأحمر الشهادة.

وإذا كان هناك من كلامٍ مجدٍ في وداع هذه القامة الوطنية الاستثنائية التي لا تتكرر، والهامة الإنسانية العابرة للقلوب والعقول والضمائر، أن لا نتوقف عند المبتدئين في السياسة، والطارئين على الإعلام، الذين يراهنون على "لبنان ما بعد حزب الله"، وعلى مستقبل هذا الحزب بالذات، ونطرح سؤالاً ناصحاً للجميع: كيف لشريحة شعبية تُحيي على مدى أربعة عشر قرناً مراسم استشهاد قائد لم تعاصره ولم تعرفه، أن تنسى خلال أربعة عشر شهراً أو أربعة عشر عاماً قائداً عاصرته وعرفته، ودرست على يديه استراتيجية التحرير والردع، وتكتيك الهجوم الاستباقي على عدو يرعبه المشهد الشعبي الذي يواجه الدبابة بعيون تحرق الأرض من تحته وتُذيب فولاذ مدرعاته؟

والسؤال الثاني: مَن قال إن هذه المواكب السيَّارة والراجلة التي تنطلق كالنهر الهادر إلى مصبّ الأرض العطشى لأهلها، إن هؤلاء الأهل ينتظرون بياناً وزارياً يحلل لهم العودة إلى ما هو حلالهم، عبر انتظارهم ذكر معادلة الجيش والشعب والمقاومة؟ بالعكس، صياغة البيان الوزاري احترمت واقع ما حصل في البلدات الجنوبية المحررة، حيث سار الجيش الى جانب الأهالي، لوقايتهم وتحذيرهم من مخاطر الألغام والمصائد النجسة التي خلَّفها الصهيوني المندحر خلفه.

والسؤال الثالث: مَن قال إن هيبة المقاومة تنحصر في هيكلية قيادية من هنا وقادة من هناك؟ والدليل، أن شعب المقاومة هذه، ما حمل في طريق العودة أكثر من عَلَم وصورة للشهيد العَلَم الذي غدت مدرسته العظيمة أبرز معالم وطن السيادة.

والسؤال الرابع: إذا كان العدو الصهيوني متمسكاً بالبقاء في خمسة مواقع حاكمة، هي تلة اللبونة، ومركبا، وتلة الحمامص، وتلة جل الدير وجبل بلاط، فلأنه يقصد طمأنة المستوطنين للعودة إلى شمال فلسطين المحتلة، وهم لغاية الآن مُحجمون، نتيجة الخوف من أن يطلع لهم المقاومون اللبنانيون من بين الصخور، فأية مقارنة هذه مع الشعب اللبناني الذي أصرَّ على العودة إلى بلداته المُدمًّرة التي لم يبقَ في بعضها سوى الركام والصخور؟

الأسئلة في الأفئدة والضمائر كثيرة يا سماحة السيِّد، ولعل زُبدتها في النهاية أن هذا الوطن الصغير كُتبت له ولادة ماردٍ كبير، كتب معه تاريخاً من مجد وعنفوان وكرامة، وسيادة رَوَت الأرض بطهر الدماء، ولم تروِها بحبر بيانات الاستنكار.

ونختم بالصلاة لروحك الطاهرة ونستذكر ذلك القول:
"هناك أشخاص يصنعون الحدث، وأشخاص يشاركون في صناعة الحدث، وأشخاص يراقبون مَن يصنعون الحدث"، وحسبُك يا سيِّد، أنك كنت الحدث على مستوى لبنان والإقليم والعالم، وأننا عاصرناك لنكتب الحقيقة كما هي للأجيال الآتية، أن السيادة كتبتها في يومٍ من الأيام قافلة شهداء مدرسة سيِّد، اختتم حياته بما كان يرجو ويتمنى من شهادة، وغدا سيِّد الشهداء، ليبقى القدوة الأرفع والراية الأعلى إلى ما شاء الله أن يبقى لنا وطن.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل