أقلام الثبات
كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية التصريح بأنه لو كان في الحكم لما تجرأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مهاجمة أوكرانيا، ولما تجرأت حماس على القيام بعملية 7 أكتوبر، وأكد أيضاً أنه قادر فور وصوله إلى البيت الأبيض على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وعلى تمكين "إسرائيل" من سحق حماس، على حدّ تعبيره.
ولأن دخوله البيت الأبيض تزامن مع كارثة حريق لوس أنجلوس، وعمليات إنقاذ وإجلاء نحو أكثر من مليون مواطن الى مناطق أخرى، تبلورت لديه ربما مواهب تاجر العقارات التي يُجاهر بها، واعتقد أن الحل الناجع، سواء في أوكرانيا أو قطاع غزة هو في تبادل الأراضي، حيث اعترف الرئيس الأوكراني زيلنسكي أنه لا مانع لديه من تبادل الأراضي التي تحتلها روسيا في الأقاليم الأوكرانية، بالأراضي التي تحتلها أوكرانيا في مقاطعة كورسك الروسية، وهذا قد يحصل في حال نجح الرئيس ترامب في جمع الطرفين على طاولة مفاوضات.
الجواب الروسي لم يتأخر على لسان الرئيس الروسي السابق نائب رئيس جهاز الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف، الذي وصف كلام زيلنسكي بالهراء، وبالتالي فإن هذه الإجابة موجهة إلى زيلنسكي ومن خلفِه لترامب، الذي صرَّح أنه سيلتقي الرئيس بوتين في السعودية قريباً، لكن الأزمة الأوكرانية الروسية أكثر تعقيداً مما يعتقد الرئيس ترامب، لأن الدول الأوروبية المنضوية في حلف "الناتو" هي التي ورطت أوكرانيا، عبر محاولة ضمها إلى الحلف وجعلها رأس حربة على حدود روسيا، وفي خاصرتها، وبالتالي فإن ترامب يحتاج إلى التصالح مع الناتو قبل أن يتولى القيام بدور قاضي الصلح بين روسيا وأوكرانيا، لأن الرجل مكروه أوروبياً بسبب رغبته بابتزاز أوروبا لتمويل "الناتو" من جهة، ولأن مواقفه زئبقية من جهة أخرى، وقد قالت عنه المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل خلال ولايته الأولى، إنه رجل غير موثوق ولا تُوضع اليد في يده.
ومع إعلان ترامب أن على أوكرانيا الاستعداد لخسارة بعض الأراضي لصالح روسيا، فهو بذلك يُذعن مسبقاً لشروط بوتين قبل أن يلتقيه.
وفي مسألة غزة، رفضت الدول العربية النافذة طرح تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، فيما الجيش "الإسرائيلي" يُعلِن: أنه "بات من المستحيل تحرير الرهائن بالقوة العسكرية"، فيما حماس انتشرت مجدداً وسط نصف مليون من العائدين إلى شمال القطاع.
وليس صحيحاً أن ملك الأردن وافق على طرح ترامب بتخصيص قطعة أرض في الأردن لإيواء "حصة" الأردن بالغزاويين المنوي تهجيرهم، بل حاول خلال لقائه بترامب أن يكون دبلوماسياً برفض خطته بالقول إن هناك وفوداً عربية ستحضر الى واشنطن لطرح تصورها لإعادة إعمار غزة، وإن الأردن للأردنيين، وإنه سيعمل لمصلحة شعبه ضمن إطار إرضاء الجميع، ولو أنه رمى الكرة جزئياً في مرمى الرئيس السيسي.
بدوره، الرئيس المصري الذي شاء من زيارة الملك الأردني أن تكون بالون اختبار لما سيطرحه ترامب، سارع فوراً الى الإعلان عن تأجيل زيارته الى واشنطن التي كانت مقررة في الثامن عشر من الجاري الى أجل غير مسمى، مع الإعلان لاحقاً من الخارجية المصرية، أن لا زيارة للسيسي إلى واشنطن إذا كان موضوعها البحث بتهجير سكان غزة.
تبقى النقطة الأهم؛ أن اختيار المملكة السعودية مكاناً للقاء ترامب - بوتين، فهو اعتراف بمكانة المملكة، خصوصاً لجهة موقفها من التطبيع ورفضها أية علاقة دبلوماسية مع "إسرائيل" قبل نيل الشعب الفلسطيني حقوقه بدولة على أرضه من خلال حلّ الدولتين، وبهذا يجد ترامب نفسه يتخلى عن طروحاته الواهية لحل مشكلة قطاع غزة عبر تهجير سكانه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن فكرة نقل هؤلاء السكان إلى دول نامية فقيرة مثل مصر والأردن والصومال، هي بحد ذاتها عنصر يساعد أبناء غزة على تفضيل البقاء بخيمة من النايلون على أرضهم، بدلاً من السفر إلى حيث المستقبل الأتعس.