أقلام الثبات
يواصل رموز الحكم والسلطة في لبنان انبطاحهم الذليل أمام المبعوثين الأميركيين؛ ولا يجرؤون على اتخاذ الموقف الوطني الطبيعي، والمنسجم مع شعاراتهم الفارغة حول الحرية والسيادة والاستقلال.
وليس الانبطاح الرسمي و"السيادي" الذي رافق زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان اورتاغوس، أول السقطات، حيث لم يقتصر ذلك على تجاهل تصريحها "الإسرائيلي"، المستفز لكل من لديه ذرة من الكرامة والوطنية، أو على إعلان الحياد الخجول تجاه ما قالته، بل وكذلك لأن أحداً لم ينبهها ويرفض وقاحتها بوضع خاتم نجمة داوود في إصبع يدها اليمنى خلال جولاتها على المسؤولين اللبنانيين، تأكيدا منها على هويتها وهواها، وهذا نتيجة لما سبق من خضوع للرغبات الأميركية، التي تتطابق حرفياً مع المصالح والأهداف "الإسرائيلية"، خصوصاً أن ما قامت به الإدارات الأميركية السابقة؛ وإدارتا جون بايدن الآفلة ودونالد ترامب المتجددة، يؤكد المؤكد؛ بأن اللوبي الصهيوني هو الذي يتحكم بكل نواحي الحياة الأميركية؛ ويدير استراتيجيات وخيارات سلطاتها.
وما شجع على هذا الاستعلاء الأميركي، هو النجاح الأميركي في فرض خياره في رئاسة الجمهورية وفي رئاسة الحكومة؛ والحبل على الجرار. فالأميركي يعامل لبنان وسلطاته مثل معاملته لجمهوريات الموز، الخاضعة للسياسات الأميركية، التي يخاطبها الأميركي باحتقار وبلغة الأوامر والإملاءات. كما أن حكام لبنان لطالما تعاملوا مع الأميركي بمنطق التبعية والخضوع، باستثناء عهد الرئيس إميل لحود، الرجل الوحيد الذي سكن قصر بعبدا وأقفل الهاتف في وجه وزيرة الخارجية الأميركية، مادلين أولبريت، عندما أرادت أن تفرض عليه القول إن "إسرائيل" انسحبت من كل الأراضي اللبنانية، فيما هو يتبلغ من الضباط اللبنانيين المتابعين أن العدو لم يكمل الانسحاب.
وحتى لا نستعيد محطات تاريخية من الخضوع والتبعية اللبنانية والاستقواء بالأميركي وبالدول الاستعمارية الأخرى، نشير فقط إلى انبطاح حكام لبنان أمام الإملاءات الأميركية؛ وتنازلهم عن حقوق لبنان البحرية: عن حقل "كاريش"، وعن خط الحدود البحرية 29، وتراجعهم إلى الخط 23، هدية منهم للعدو "الإسرائيلي"، وثمناً قدموه لقاء بقائهم في مناصبهم، مثلهم مثل كل الحكام العرب الذين لم تهتز مشاعرهم ولا كراماتهم ولا "عروبتهم"، فيما الشعب الفلسطيني يذبح ويباد في غزة والضفة الغربية؛ وكذلك في تجاهلهم لحرب التدمير التي شنها المحور الأميركي - "الإسرائيلي" ضد لبنان.
ورافق هذا الانبطاح الرسمي قبول رؤساء ومسؤولين وسياسيين لبنانيين، استقبال المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، الذي سبق له ان خدم ضابطا في جيش العدو "الإسرائيلي"، وما جرى كان قمة الخضوع والانسحاق أمام الوقاحة الأميركية في إعلان مسؤوليها أنهم صهاينة، مثلهم مثل حكام الكيان الدخيل وغير الشرعي الذي يحتل فلسطين.
وهنا لا بد من القول، لله در الراحلين ممن سبقونا، الذين لطالما قالوا إن التدليس يورث ما هو أحقر منه وأدهى. وهذا الكلام سبق وكررناه وكتبناه، حتى باتت لغة بعض الرسميين اللبنانيين عن "الحكومة المنسجمة" كلمة السر، التي يشير فيها المعنيون إلى استبعاد المقاومة عن المشاركة في الحكومة، فمن الطبيعي انه لا حكومة منسجمة، بوجود تمثيل وزاري للمقاومة ولمن تبقى لها من حلفاء، في حكومة يتواجد فيها وزراء صهاينة (حرفياً) ودعاة فيدرالية وأصدقاء علنيين للعدو "الإسرائيلي" وللإدارة الأميركية، الخاضعة بدورها لسلطة اللوبي الصهيوني، المتحكم بكل نواحي الحياة الأميركية وسياساتها.
واللافت هذه الهجمة على المقاومة، بعد احكام الحصار على لبنان، حيث خرجت كل الثعابين من جحورها، تظن أن فرصتها قد حانت. لكن هؤلاء الصغار يجهلون أن المعركة هي معركة كل لبناني، يرفض ان يكون عبدا عند الادارة الاميركية المتصهينة؛ وعند كيان الغزاة الصهاينة؛ وهي معركة لا مجال للتراجع فيها، أياً يكن الثمن ومهما كانت النتائج. فلبنان يعيش اجواء العام 1982، حيث تتم اعادة انتاج السلطة، في ظل غارات "اسرائيلية" متواصلة؛ واحتلال "إسرائيلي" لبعض اراضي الجنوب واستمرار عمليات النسف والتدمير والحرق فيها، إضافة إلى تحرشات التكفيريين على الحدود الشرقية. لكن وكما فشل المشروع الأميركي "الإسرائيلي" وجرى إسقاط اتفاق 17 ايار، عام 1983، فإن صهينة لبنان عبر أمركته لن تمر، والكلمة ستكون للناس وللشرفاء وللرجال الرجال من اللبنانيين، الذين أنتج صمودهم وحراكهم طوال العقود والعهود السابقة، مقاومات أفشلت مخططات المتسلطين والغزاة، فكيف الحال والمعركة ضد حماقات دونالد ترامب المتصهين؛ وولي أمره ايلون ماسك، بدأت تتوسع داخل اميركا وفي كل انحاء العالم. والعالم الرأسمالي ينفجر من الداخل، لأن لا عدوا يوازيه ويواجهه ويوحد صفوفه، والواقع العربي لم يعد يحتمل تبعية وخضوعاً، كما أن المقاومين موجودون وشعبهم يحيط بهم والعدو أمامهم والبحر خلفهم؛ ولا خيار أمامهم غير القتال والانتصار.