أقلام الثبات
ليس الرئيس المكلف نواف سلام القادم من لاهاي، يتحدث "العربي المكسَّر" كي لا يفهم هؤلاء النواب النوائب، أن كل نائب منهم يرى نفسه كتلة نيابية، وكل كتلة ولو كانت حمولة دراجة، ترى نفسها بحجم الحزب الشيوعي الصيني، وهو يسعى لتمثيل الجميع من منطلق الحفاظ على الوحدة الوطنية ولكن، مَن قال إن هؤلاء يمثلون أبناء الوطن بعد الذي حصل؟
لا حقيبة في التشكيلة الحكومية المُرتقبة أخذت حيزاً من الجدل و"القتال والنقار" أكثر من وزارة المالية، ليس لأنها ستُسنَد إلى النائب السابق ياسين جابر، وهو رجل أعمال معروف ولا غبار على سيرته الذاتية، بل لأن هذه الوزارة هي التوقيع الثالث في الدولة اللبنانية، لا بل هي التي تُمكِّن وزير المالية من الحكم بديلاً عن رئيس الحكومة، ووصلت الأمور في الكثير من الأحيان لأن يرفض وزير المالية لأسباب حزبية كيدية توقيف الكثير من المشاريع التي أقرها مجلس الوزراء، وبات وزير المالية حاكماً لمجلس الوزراء.
وليس صحيحاً أن وزارة المالية تم إقرارها في الطائف لمصلحة الطائفة الشيعية، لأن غالبية الوزراء بعد الطائف كانوا من طوائف مختلفة، ولا هو صحيح أن وزارة المالية، كائناً ما كانت طائفة الوزير، لعبت ذلك الدور السيادي في الحفاظ على المال السيادي والصناديق السيادية، لا بل بالعكس، سُمعة هذه الوزارة بصرف النظر عن وزرائها هي كما يقول الأخوة المصريون "زي الزفت".
واللافت منذ أيام، أن النائب أشرف ريفي، صرَّح قائلاً: "أنا لا أمانع بأن يتولى النائب السابق ياسين جابر وزارة المالية"، ونوَّه به، ولكن المشكلة هي في عبارة "أنا لا أمانع"، وهي بيت القصيد في كل العوائق والمشاكل التي تعترض الرئيس المكلَّف، بكل من يتأبط "الأنا" من كل الطوائف، بصرف النظر عن حجم تمثيله الشعبي، أو النيابي، أو الطائفي.
وإذا كان الوزير الشيعي الخامس تقرر أن يتم تعيينه بالتوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف و"الثنائي الشيعي"، فهو قد اكتسب صفة "سوبر سيادية" حتى لو كان وزير دولة و"كمالة عدد"، وهذه التسوية لم تنفع مع النائب السابق وليد جنبلاط، الذي رفض تسمية واحد من الوزيرين الدرزيين من سواه، وأصرَّ على تسميتهما من المختارة، بينما الطائفة السنية اكتفت بحصتها التي ضمنت لها وزارة سيادية، وهذا من حقها، "دون جميلة" أي نائب يعطي لنفسه صفة تمثيل هكذا طائفة عريقة في السياسة اللبنانية والحجم البيروتي.
وإذا كانت طلبات الأقليات المسيحية متواضعة، وترضى بعضها بنيابة رئاسة الحكومة، التي لا تزيد صلاحياتها عن أية "وزارة دولة"، فإن "العلقة الكبيرة" هي بين "زعماء" الموارنة، وما يُرضي "التيار" يستفز "القوات"، وبالعكس، ولا ناقة للقواعد الشعبية ولا جمل بأية تركيبة، ولأن الرئيس المكلف أزمته في كيفية إرضاء الطرفين، فلا بأس لو خرج أحدهما من الحكومة لصالح رئيس الجمهورية الذي أكد منذ اليوم الأول أنه لا يريد وزراء محسوبين عليه.
ولا ينتظر الشعب اللبناني سوى حكومة كفاءات وأوادم، سواء كانت ترضي كل المجلس النيابي أو غالبية تعطي الحكومة الثقة لتنطلق، ولا الشعب اللبناني ينتظر بياناً وزارياً ورقياً يتشاطرون فيه على تمرير أو إلغاء معادلة الجيش والشعب والمقاومة، لأن هذه المقاومة باتت شعبية، وكتبت على ركام منازل الجنوب "بيانها الوزاري" بقوة انتماء الناس لأرضهم وقدسية ترابهم، لكن المشكلة أن الخارج ينتظر تشكيل الحكومة، وكل الوفود العربية والأجنبية اشترطت هذا التشكيل والبدء بالإصلاحات في مزرعة يجب أن تغدو دولة.
ختاماً، نسأل الله الذي وصلته منا صلوات الاستسقاء وأمطَرنَا بالخير، أن يسقي الرئيس سلام ويمطره بمياه زمزم، ويلهمه بحكومة من النخبة، يشبهون بأدائهم وزراء هولندا التي أتى منها الرئيس المكلف، وزراء يركبون الدراجة الهوائية بكل تواضع، لأن راكبي المرسيدس السوداء عندنا، بتنا نراهم سائقي سيارات دفن الموتى ودفن الوطن.