أقلام الثبات
ليس من الواضح ان المخاض العالمي سيرسو قريبا على ولادة نظام يكون للعرب فيه مكانة تساوي واقع قدراتهم الحقيقية والموضوعية، سواء في الثروات او التعداد البشري، او حتى ما يحوزون من تقنيات، بغض النظر عن كيفية استخدامها؛ سلبا او إيجابا.
ان السبب الحقيقي المشكل للواقع العربي الحالي هو خضوع الغالبية لرغبات الغرب الماجنة, لا سيما حيال السياسات الأميركية, دون نظرة واقعية الى مصالح الدول والشعوب العربية, والتعامل مع الحكام كاتباع يبصون على ما يقرر في دوائر أميركية , لم تعد حياكة المشاريع فيها سرية، لا بل تعلن بصلافة.
على سبيل المثال، فان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصر على تهجير الفلسطينيين، سواء من غزة او من الضفة الغربية، الى مصر والأردن, ويعمل على فرض ذلك تحت "يافطة إنسانية" من جهة , ولان مساحة "إسرائيل" صغيرة.
يقول ترامب إن الفلسطينيين «ليس لديهم بديل سوى مغادرة القطاع" وإن الفلسطينيين «سيودون بشدة» مغادرة قطاع غزة المحاصر للعيش في أي مكان آخر إذا أتيحت لهم الفرصة، مضيفا: «أظن أنهم سيكونون سعداء للغاية» بذلك، و«أرغب في رؤية مصر والأردن يستقبلان سكانا من قطاع غزة لأن سكان القطاع يستحقون أن تصبح غزة مكانا جميلا» و«الأردن ومصر رفضا بالفعل استقبال سكان من غزة ولكن هناك من يرفض أمورا ثم يعود للموافقة عليها.
يعكس هذا التصريح المتعالي 3 أمور مترابطة:
ان ترامب يتجاهل الحقوق الفلسطينية التاريخية التي سطت عليها إسرائيل بالقوة وبمساندة العالم الأبيض المسعور , لا بل يريد ان تسطو العصابات الصهيونية على مزيد من الحقوق والأرض الفلسطينية , ضمن محاولة تكرار نكبة 1948 التي يرفض الفلسطينيون تكرارها رغم الإبادة التي يتعرضون لها باعتراف العالم ومنظماته الحقوقية التي تشخص دون استخدام أي اجراء رادع لمنعها .
2- تجاهل ترامب الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني دفاعا عن ارضه بعدما وضع بين خيارين , اما القتل , او التهجير ,فاختار من صغيره الى كبيره ان يستشهد على ارضه, فكان ان ارتقى أكثر من 50 ألف شهيد ,و112الف جريح والالاف المفقودين تحت الأنقاض, في وقت اعتبر ترامب أن الفلسطينيين «سيودون بشدة» مغادرة قطاع غزة المحاصر للعيش في أي مكان آخر إذا أتيحت لهم الفرصة مضيفا «أظن أنهم سيكونون سعداء للغاية» بذلك.
3- تجاوزت صلافة ترامب في الاملاء على مصر والأردن اية معايير دبلوماسية او أخلاقية بقوله :«الأردن ومصر رفضا بالفعل استقبال سكان من غزة ولكن هناك من. ولكن هناك من يرفض أمورا ثم يعود للموافقة عليها.
لا بل نصّب نفسه حاكما مطلقا على الشرق الأوسط , وباستخدام ثرواته كما يشاء, وهو يعلن على الملأ :«لدينا الأموال الكافية في منطقة الشرق الأوسط لإعادة إعمار قطاع غزة. قائلا: لدى الشرق الأوسط المال لبناء أماكن ينتقل إليها سكان غزة.
ما ظهر من ترامب بدا كأنه امر عمليات أكمله مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف: إنه «ليس عادلا أن نقول للفلسطينيين إنهم قد يعودون في غضون 5 سنوات. هذا أمر سخيف»، وهذا يؤشر على ان قرار ترحيل الفلسطينيين رغما عن الدولتين المعنيتين أي مصر والأردن , ومع سبق الإصرار على ارتكاب جريمة عالمية بحق الشعب الفلسطيني ,
والانكى ان ويتكوف بدا وكأنه عطوفا على الفلسطينيين من خلال إضفاء كلمة "ليس عادلاً" وربطها باستحالة عودة اهل القطاع الى ديارهم .
من الواضح ان العقل الأميركي يتعاطى مع العرب , وكأنهم في غابة ,هو الذي يسن شرائعها, ويوكل لربيبته إسرائيل عملية الاصطياد الوحشي , ما يجعل من الضرورة إعادة بلورة سياسة جديدة , يمكنها قول "لا " للولايات المتحدة المتجبرة عند الوجوب. على الرغم أن الحروب من وجهة النظر المعلنة لترامب تستند إلى السياسة الداخلية، وإنها ليست ضرورية وحتى ضارة بعض الشيء، لكن الميزان يرجح استمرارها, بلا حلول وسطية ,
فالحرب مفيدة اقتصاديا للولايات المتحدة، والا فما معنى وجود الاف القواعد العسكرية الأميركية حول العالم , والسعي الى المزيد منها , وهنا ترتفع أحلام ترامب بضم غرينلاند , والسيطرة على خليج المكسيك وقناة بنما وإلحاق كندا كولاية جديدة ,, الخ,, لأن كل ذلك يسمح لواشنطن بسرقة الثروات والطاقة المضاعفة حتى من حلفائها، مع تجديد مجمعها الصناعي العسكري، وفرض مصالحها الاقتصادية من خلال العقوبات المنهجية على عشرات الدول في جميع أنحاء العالم.
هذه العوامل المكونة للشخصية الأميركية , لا يمكن الا ان تبيح واشنطن للكيان الصهيوني الذي يتشارك في انشائه التكوين الأميركي المستعمر, ما يحتم دوما وجود من يقول لا كبيرة وبالفم الملآن، حتى لو كان العامل النووي بحد ذاته مطروحاً.
امام العرب حتى الان خيارات قادرين على السير بها , قبل ان يكون خيارهم الوحيد لحس المبرد الأميركي , والاستمتاع بلعق دمائهم بأنفسهم , وتلقي الأوامر بشأن انتاج نفطهم وبيعه وفق الشهوات والرغبات الأميركية خصوصا ,والغربية عموما
ان غالبية الطبقة الحاكمة في اوروبا ايضا , تنتشي باستمرار الحرب في اوكرانيا , وزادت من حدة خطابات اولئك الحكام الذين هم من سلالة من قام بحربين عالميتين , ويسعون لتوسيع الحرب الاطلسية مع روسيا, في هذا السياق وهم أنفسهم الذين احتلوا فلسطين , ورحلوا يهودهم لاستيطانها بالتدريج.
وفق كل ذلك , فان المخاض العالمي لا يزال كما يبدو في اوله , والقضايا العربية , وفي مقدمها فلسطين , لن تكون من اولويات الحلول , لا بل ان العرب كدول قائمة حاليا لا يبدو انها قادرة على الوقوف بوجه من يريد اغتيالها .
المخاض العالمي.. وفلسطين القضية ـــ يونس عودة
الأربعاء 05 شباط , 2025 02:49 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة