العودة المزدوجة تخنق "إسرائيل" من الشمال والجنوب ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 04 شباط , 2025 11:36 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لسنا بوارد مجاراة سياسي لبناني يدعو لاستمهال الانسحاب الصهيوني من آخر بلدة جنوبية، على طريقة المرتاح على وضعه في قصره حين قال: "أين المشكلة إذا لم تنسحب يوم الأحد.. تنسحب الإثنين أو الثلاثاء"، لأن القابض على الجمر ليس كما القابض على الثلج، و"العودة2 " لأبناء الجنوب يوم الأحد الماضي هي ضمن خطة مرسومة للمقاومة الشعبية اللبنانية للعودة حتى آخر بلدة وآخر شبر، والموعد المؤجل حتى 18 شباط قد يعني اللجنة الدولية المشرفة على وقف إطلاق النار، رغم الانتهاكات اليومية المجرمة، ولا يعني أبناء البلدات متى قرروا بالصدور العارية تحدِّي الآليات الصهيونية والوقوف بوجهها واجبارها على الانسحاب.

المشكلة في هذا السياسي أو ذاك أنهم يتهمون المقاومة في لبنان أنها خارج التاريخ، والدليل على أنهم هم خارج التاريخ نسأل: مَن هم مجاهدو المقاومة في البلدات الجنوبية؟ والجواب: هم الذين يعودون الآن إلى بلداتهم وقراهم ضمن قوافل أهلهم، وليسوا بحاجة في الوقت الحاضر إلى أن يكونوا مدججين، لكنهم عادوا الى بلداتهم، وفي بلداتهم هُم باقون، تحت راية "المقاومة الشعبية"، ومَن لديهم اعتراض مراجعة أبناء كل بلدة في الساحة العامة.

وإذا كان البعض يختلق عذراً للعدو في مسألة المراوغة والتباطؤ في الانسحاب، فنحن نعطي لهذا العدو العذر الحقيقي:
عاد أبناء شمال قطاع غزة الى أرضهم، ولم يتجرأ مستوطن صهيوني واحد من العودة إلى غلاف غزة، وبدأ أبناء جنوب لبنان بالعودة إلى بلداتهم وقراهم بعد ساعة من إعلان وقف إطلاق النار، ودفعوا الثمن في اليوم الأول بفقدان 22 شهيداً وعشرات الجرحى، فيما لم يعُد يهودي واحد إلى مستوطنات الشمال الفلسطيني، التي ما زالت خالية إلا من العمال الآسيويين ودجاج المزارع.

كل هذه التطورات لم تحسم "اليوم التالي" الذي يهذي به نتانياهو دون أن يجد مَن يفسِّر الأحلام، والمسألة لم تعُد في غزة ولا في لبنان، بل باتت معركة سياسية ضارية على أربع جبهات: الأردن ومصر، و"إسرائيل" والولايات المتحدة.

أولاً، الأردن: يُصرّ الرئيس ترامب أن الأردن سيقبل بانتقال قسم من فلسطينيي قطاع غزة إليه، وأرسل دعوة على شكل استدعاء إلى الملك الأردني عبدالله بن الحسين لزيارة واشنطن في 11 شباط/ فبراير الجاري، وعلى الفلسطينيين وكل من يدعم القضية الفلسطينية حفظ هذا التاريخ جيداً، لأن الأردن في وضع حرج جداً، سواء على المستوى الاقتصادي المحتاج دائماً إلى الدعم الأميركي، أو على مستوى الوضع الداخلي غير المستقر بوجود الشرائح الشعبية الرافضة لتهجير الفلسطينيين، سواء من الأردنيين الخائفين على العرش الهاشمي، أو الأردنيين من أصل فلسطيني، وهُم الغالبية في المجتمع الأردني، والملك عبدالله في وضعٍ لا يُحسد عليه.

ثانياً، مصر: رغم تكرار رفضها لتهجير الفلسطينيين من غزة الى سيناء، أو عبر سيناء إلى الأردن، فإن الرئيس ترامب مُصرّ أيضاً أنها ستقبل بتقاسم المُهجَّرين الفلسطينيين مع الأردن، وقد عُقِد منذ يومين إجتماع سداسي في القاهرة لوزراء خارجية الدول العربية: السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية، وصدر بيان رافض لتهجير الفلسطينيين أو جزء منهم إلى الأردن أو مصر أو أية دولة أخرى، كأندونيسيا على سبيل المثال.
الأخطر على مصر، أن الرئيس ترامب في اتصاله مع الرئيس السيسي لم يتحدث معه عن استقبال الفلسطينيين في مصر، وهو كما أكدت بعض وسائل الإعلام، سأل عن أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا، وأنه مستعد لمساعدة السيسي في هذا الأمر إذا ساعده السيسي في حل مسألة غزة، ما يعني أن ترامب يهدد مصر بالجفاف والعطش، وأن يده قادرة أن تطال  مجرى نهر النيل عبر أثيوبيا.

ثالثاً "إسرائيل": على وقع المظاهر التنظيمية العسكرية واللوجستية التي أظهرتها حماس خلال أربع مشهديات تبادل أسرى، اشتعل الشارع اليميني "الإسرائيلي" غضباً من نتانياهو ومن قيادة أركان الجيش "الإسرائيلي" على هذه الخيبة أمام حماس، التي تبدو بكامل جهوزيتها بعد خمسة عشر شهراً من الحرب، وفشل "جيش الدفاع" في تدمير قدراتها واستعادة الأسرى عسكرياً، ما أحرج نتانياهو قُبيل إقلاع طائرته إلى واشنطن، ووجد نفسه ملزماً باتخاذ خطوات عاجلة:
- وقف مفاوضات المرحلة الثانية مع حماس، بانتظار عودته من واشنطن، وتغيير هيكلية فريق التفاوض، بحيث يرأسه سكرتيره؛ رون دريمر، الذي يُعتبر رفيق نتانياهو الخاص و"علبته السوداء"، على أن يكون معه رؤساء "الموساد" و"الشاباك" و"أمان".
- تعيين رئيس أركان يميني متطرِّف هو إيال زامير، وهو لواء متقاعد، خلفاً للمستقيل هرتسي هاليفي، الذي كان محسوباً على وزير الدفاع المُقال يوآف غالنت، وأتى تعيين زامير لإرضاء أحزاب أقصى اليمين، المُطالِبة بالعودة إلى الحرب واحتلال قطاع غزة وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، كما يُطالب إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وبالفعل، أعلن زامير فور تعيينه رئيساً للأركان أن العام 2025 سيكون عام الحرب.

رابعاً، أميركا: في الوقت الذي سافر فيه نتانياهو إلى واشنطن، مع تغيير في مسار الطائرة لتفادي العبور بأجواء دول ملتزمة بقرار المحكمة الجنائية الدولية بحقه، فإن اجتماعه مع ترامب هو بيت القصيد الإقليمي، الذي سيكشف حقيقة نوايا إدارة البيت الأبيض بمسألة وقف الحروب في الشرق الأوسط، رغم أن نتانياهو المُصاب بخيبة "اليوم التالي" في قطاع غزة، تنتظره معارك في الضفة الغربية، التي سبق لترامب أن وعده خلال حملته الإنتخابية بمباركة توسعة إسرائيل على حساب الفلسطينيين فيها، ما يعني أن مستنقعاً جديداً من الحروب يحاول نتانياهو سحب ترامب إليه، مع تأكيد الصحفي "الإسرائيلي" باراك رافيد، صاحب موقع إكسيوس الأميركي، أن التهديد المُبطَّن من ترامب للسيسي، بموضوع سد النهضة، يعني أن مصر قادمة على مواجهة عسكرية في محور فيلادلفيا سواء فُرِض عليها أميركياً استقبال فلسطينيي قطاع غزة في سيناء، أو استخدامها ممراً لعبورهم إلى الأردن، وعلى كل من مصر والأردن سيقع عبء الحفاظ على السيادة والصمود ما أمكن بمواجهة الضغوط الأميركية و"الإسرائيلية" كي لا تنتهي القضية الفلسطينية ومعها كل من اتفاقيتي كامب دايفد ووادي عربة، ويبدو أن الحرب متى وقعت ستتمدد خارج الجغرافيا الحالية، لأن إيران هي العدو المشترك للأميركي و"الإسرائيلي"، وقد يرتكبان حماقة ما معها وتسقط كل الهُدَن والاتفاقيات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل