أقلام الثبات
كشفت الأحداث المتسارعة أهداف من بات يطلق عليهم اسم "الترامبيون"، الذين راهنوا على تسلم الرئيس الأميركي العائد إلى كرسي البيت الأبيض، دونالد ترامب سلطاته، فرهنوا قراراتهم وخياراتهم بتسلم الإدارة الأميركية الجديدة مقاليد القرار في واشنطن.
فهؤلاء ليسوا فقط ممن يخدمون الخارج ويقدمون مصلحته على مصلحة أوطانهم وشعوبهم فحسب، بل هم يربطون وجودهم بقوة الخارج ونفوذه. ذلك الخارج المستقوي في تسلطه وتعديه على الدول والشعوب؛ وفي هيمنته على سياسات تلك الدول والشعوب ونهبه لخيراتها وثرواتها، بما يتيح لأولئك المراهنين، تحقيق ما لا يستطيعون تحقيقه بقوتهم وبظروف غير استثنائية، تختلف عن الظروف التي وضع فيها ترامب العالم بتصريحاته المجنونة، البعيدة عن أي قانون دولي؛ والمتخطية كل اعتبارات ما يسمى حقوق الدول وحدودها وكرامة الشعوب ومصالحها.
وتضم لائحة طويلة هؤلاء المتعلقين بأذناب الإدارات الأميركية، خصوصاً تلك الإدارات التي تحمل إرث راعي البقر التكساسي، الذي يرسم بفوهة مسدسه اشكال القانون وحدود الحق والباطل، كما تحمل إرث الرجل الأبيض العنصري عضو منظمة "كوكلاس كلان"، الذي مارس الحقد والاضطهاد بحق السود والملونين؛ وتفنن بأساليب قتلهم وتعذيبهم وإزلالهم، كما تتحرك تلك الإدارات بوحي العقلية اليهودية، التي تعتبر بأن المال هو مصدر السلطة وهو صاحب الكلمة الفصل، في تحقيق الهيمنة والانتصار، وأن الباطل هو لجهة الضعيف والفقير والمهزوم، أياً تكن قضيته. وكل هذه الصفات النافرة تتجسد في تصرفات وتصريحات دونالد ترامب الجديدة؛ وفي السياسات والقرارات التي اتخذها في مرحلة حكمه السابقة.
وما يهمنا من أمر أولئك المراهنين، هو كيان العدو "الإسرائيلي" وبعض الداخل اللبناني، فكيان العدو رهن وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، بتسلم ترامب لمهامه، ليتولى هذا الأخير تحقيق ما عجزت عنه القوة العسكرية "الإسرائيلية"، مستنداً إلى ما سلفه إياه سابقاً، عندما تخطى ترامب كل الاعتبارات التي راعاها أسلافه، فقرر بان القدس العربية عاصمة فلسطين المحتلة وقبلة المسلمين وموطن السيد المسيح، هي عاصمة الكيان اليهودي، بعدما كانت تل أبيب عاصمته، منذ إعطاء المستعمر البريطاني الجزء الأكبر من فلسطين، لتكون وطناً لليهود، بموافقة اكثر من نظام عربي، على رأسهم مؤسس مملكة آل سعود عبد العزيز، الذي اقسم للإنكليز بموافقته على إعطاء فلسطين "لليهود المساكين"، حسب تعبيره. ولم يخيب ترامب أمل الصهاينة، إذ أعلن أنه سيأمر مصر والأردن ليستقبلوا أهالي غزة، فيقوم كيان العدو باحتلالها وضمها، بعد تفريغها من سكانها. وهو ما سيحصل لاحقاً للضفة الغربية، في حال نفذ مطلب ترامب.
أما بعض الداخل اللبناني، فهو الذي تعود أن يحقق احلامه ومطامحه بقوة الخارج الآتي من الغرب، على أحصنة الاستعمار وافكار الاحتلال والهيمنة، فراهن على عنجهية ترامب وعجرفته، لإحداث انقلاب في الأوضاع اللبنانية وتوازناتها الحساسة، بحجة "التغيير"، مستنداً إلى نتائج العدوان "الإسرائيلي" المستمر، متجاهلاً بأن المس بتلك التوازنات يشعل حروباً أهلية، طالما أن دعاة "التغيير" منافقون يرفضون إلغاء النظام الطائفي القائم، لتحل محله دولة المواطنة.
هؤلاء المراهنون، المعجبون بعنجهية ترامب والمقتنعون بما يؤمن به، بأن العالم غابة؛ وأن أميركا بقيادة ترامب هي سلطان هذه الغابة. وبانه هو صاحب القرار فيها، لا حول ولا قوة لغيره على ساكنيها، هم مجرد أتباع وجراء عنده، هم اشبه بأبناء آوى أمام سيدهم "سبع الغاب"، ينتظرون فراغه من فريسته ليأكلوا منها، فترامب هو الذي قرر بأن كندا يجب ضمها إلى الولايات المتحدة، من دون استشارة شعبها وسلطاتها. وقرر بان خليج المكسيك يجب تغيير اسمه ليصبح خليج أميركا. كما قرر الاستيلاء على قناة بنما، مع أن اسمها يشير إلى هويتها. ولا نستبعد بأن تغريه قناة السويس المصرية، فيقرر الاستيلاء عليها، أو أن يغريه نفط المملكة السعودية، التي يصفها بـ"البقرة الحلوب"، فيعلن ملكيته للنفط السعودي والخليجي عامة، فهو الذي يتحدث بحسد وغيرة عن ثروات الخليج؛ وبأن أفضل المطارات والمشاريع موجودة فيه؛ وأن الثراء فيه يجعل المال يخرج من أنوف أهله، حسب توصيفه، لذلك قرر مضاعفة قيمة "الأتاوة" التي يفرضها على الرياض، لتصبح تريليون دولار. كذلك أعلن أنه يريد احتلال جزيرة غرينلاند وانتزاعها من الدانمارك، كما يمارس لغة فوقية نافرة في دعوته الدول الأوروبية لأن ترفع ميزانياتها الدفاعية، وترامب هذا هو الذي سبق أن قال بأن "إسرائيل" صغيرة المساحة وأنه يريد توسيع مساحتها. وفي ما إذا أصر على السير في هذه السياسات، فإن العالم مقبل لا محالة، على حروب كبرى أشد هولاً مما سبق ان شاهدته البشرية، وسيكون المراهنون على بلطجة ترامب أول ضحايا حماقاته.
سلطان الغابة وجراؤه ــ عدنان الساحلي
الجمعة 31 كانون الثاني , 2025 01:55 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة