خاص الثبات
المكان: ملعب أليانز أرينا – مدينة ميونيخ في ألمانيا
الزمان: التاسع عشر من أيار (مايو) من العام 2012
الساعة: العاشرة الا ربعا مساءا (بتوقيت بيروت)
الحدث: نهائي دوري أبطال أوروبا بين فريقي بايرن ميونيخ الألماني و تشيلسي الإنكليزي.
الإحصائيات النهائية بعد المباراة اظهرت سيطرة تامة للفريق الألماني حيث استحوذ على الكرة بنسبة 56% مقابل 44% لمنافسه. سدد الفريق الألماني 35 تسديدة بينها سبع تسديدات مباشرة على المرمى, بينما سدد تشيلسي تسع تسديدات بينها ثلاث فقط على المرمى. تحصل الفريق الألماني على عشرين ركلة ركنية مقابل واحدة فقط لمنافسه. تدخل حارس مرمى الفريق الألماني مرتين فقط مقابل ستة تدخلات لحارس المنافس الإنكليزي كما تحصل البايرن على ركلة جزاء خلال المباراة. كل هذا اضافة الى احصاءات اخرى اشارت بوضوح الى سيطرة الفريق الألماني.
لو اعطيت هذه الإحصاءات لأي خبير في كرة القدم من دون ذكر هذه المباراة لأشار بدون تردد الى فوز الفريق المسيطر بفارق هدفين او اكثر. كما انني سألت الذكاء الإصطناعي ان يتوقع نتيجة المباراة بعد ان زودته بكل هذه البيانات فكان جوابه فوز الفريق الألماني بفارق هدفين على الأقل و بأسوأ الأحوال الفوز بفارق هدف ان اجاد منافسه الدفاع, و لم يعط اي افضلية لفوز تشيلسي بالمباراة.
انما, الواقع كان مغايرا تماما, و كما يعرف معظمكم فاز تشيلسي بالمباراة و رفع كأس دوري الأبطال بنهاية المباراة بعد ان صمد امام منافسه حتى النهاية ثم فاز بركلات الجزاء الترجيحية. نعم, خمس ركلات قاضية ادت الى فوز المنافس الأقل حظا. الجدير ذكره انه حتى البنالتي التي حصل عليها بايرن ميونيخ خلال المباراة تمت اضاعتها. قد يكون بايرن فاز بالإحصاءات لكن النتيجة التهائية كانت من نصيب منافسه.
تحضر في بالي هذه المباراة دائما خلال النقاشات حول الوضع القائم حاليا. فأستعمل هذا التشبيه- مع الإشارة الى ان ما حدث من مجازر و إبادة جماعية و عدوان بربري غاشم على شعوبنا لم يحصل له مثيل على مر التاريخ و لا يوجد شيء يشبهه او يقارن به- لشرح ما يحدث بطريقة بسيطة. و اعترف هنا, انا شخص ليس بمحلل سياسي و لا خبير عسكري و مفكر استراتيجي. انما شخص عادي, يرى الأمور بأهدافها النهائية و هذا لب موضوعنا.
ببساطة, البايرن قام بكل ما يلزمه للفوز الى حد الكمال, من سيطرة و هجوم و دفاع و تسديد و ركلة جزاء كل ما يمكن ان يحلم به فريق كرة قدم للفوز. على صعيد النقاط التكتيكية الفريق ابدع. انما استراتيجيا و بعد نهاية المباراة هم خسروا. اذا في النهاية ليست النقاط التكتيكية هي ما يكسبك مباراة ما, او منافسة او حتى حربا انما استراتيجيا الفوز و تحقيق اهدافك النهائية. كما نقول في بلادنا يضحك كثيرا من يضحك اخيرا.
من هنا ادخل الى صلب الموضوع, للأسف الوضع في بلادنا ليس ككرة القدم و الأهداف مختلفة تماما. لن اطيل الشرح و ادخل في الكثير من التفاصيل حول الأطماع الإسرائيلية , الغربية في منطقتنا و الأهداف الحقيقية للحرب (كالإستيلاء على الثروات النفطية في بحر غزة و مياه سوريا و لبنان). انما اود الحديث عن من الذي استطاع تحقيق اهدافه في هذه الحرب.
هنا يبرز السؤال الأول من حقق اهدافه في هذه الحرب؟
حددت اسرائيل لنفسها اهدافا تبدأ اولا بتحرير الرهائن و من ثم القضاء على حركة حماس, كما تهجير سكان القطاع الى سيناء (او ابادتهم). اما بالنسبة الى لبنان فأرادت القضاء (بشكل كلي اولا على المقاومة و على جميع افرادها ثم غيرت اهدافها الى القضاء) على اي تواجد عسكري لمقاتلي حزب الله على الحدود و ابعادهم عشرة كيلومترات الى ما وراء نهر الليطاني كما القضاء على القوة الصاروخية واعادة المستوطنين الى الشمال و اقامة منطقة عازلة عند الحدود مع لبنان.
على المستوى التكتيكي تفوقت او بالأحرى ابدعت اسرائيل في ارتكاب المجازر بحق المدنيين و البنى التحتية و السكنية. فشردت و هجرت و قتلت الآلاف من المدنيين العزل في كل من لبنان و غزة كما تمكنت من اغتيال العديد من القادة البارزين يأتي على رأسهم سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله.
و لكن ماذا عن اهداف الحرب الأساسية؟
في غزة و رغم كل المصاب الا ان الغزيين لا زالوا صامدين و رغم جراحهم مستعدون للعودة في اللحظة التي يتوقف فيها ازيز الرصاص (قل قنابل بآلاف الأطنان) و لن يتركوا ارضهم. بعد اكثر من سنة على القتال لم تستطع اسرائيل الوصول الى النقطة صفر اي حيث لا وجود بتاتا لمقاتلين فرغم كل الدمار و القصف لا زال المقاتلين موجودين في قلب غزة و لا زالوا يقاتلون من مسافات قريبة و لم تستطع اسرائيل اقامة مناطقها الآمنة كما لا زالت الصواريخ الغزية تطلق بين الحين و الآخر.
اما في لبنان, فقد اسنطاعت المقاومة ترميم نفسها و اعادة هيكلة جسمها القيادي و العسكري و سطرت ملاحم اسطورية في الميدان فبعد اكثر من ستين يوما على القتال البري لم يستطع الجيش الصهيوني التقدم امتارا داخل الأراضي اللبنانية و بقي القتال عند الحافة الأمامية. كما ان الصواريخ ما فتئت تطلق بكثافة و بذات الوتيرة مما دل على تحكم المقاومة في الميدان. و البيئة الحاضنة لا زالت صامدة و مؤمنة رغم النزوح و قساوته. في المقابل, لا تبدو عودة المستوطنين وشيكة الى الشمال. اما النقطة الأهم, هل عاد الرهائن الإسرائليين؟ لا يبدو ان هناك من يهتم لأمرهم في الكيان الا عائلاتهم.
اذا, على الورق قد تبدو اسرائيل اقوى, مسيطرة, ذات قوة تدميرية هائلة و لكن جل قوتها منصب على المدنيين و البنى التحتية. اما في الميدان فالواقع يبدو مغايرا.
يبقى سؤال من سيفوز بالحرب؟
يقولون ضع قطة في غرفة مغلقة, لا تترك لها اي منفذ للهرب, ستتحول هذه القطة الى نمر. المقاومة الآن موجودة في هذه الغرفة المغلقة.
حسام أحمد زين الدين