أقلام الثبات
بَدَت مطالب الكتل النيابية من الرئيس المُكلَّف متواضعة بشكلٍ عام، لأن الكلّ مُتعَب ومُرهَق نتيجة الغضب الشعبي من "كلُّن يعني كلُّن"، والانتخابات النيابية هي تقريباً على الأبواب في العام 2026، والإجماع الجماهيري على الرئيس جوزف عون أتى بحجم آمال هذا الشعب، التي كانت هي نفسها يوم انتخاب الرؤساء إميل لحود وميشال سليمان وميشال عون، لكن ما "فرمَلَ" العهود السابقة هي التجارب الفاشلة لما تُسمى حكومات الوحدة الوطنية التي حملت ممثلي زعماء الميليشيات إلى الطاولة للتكاذب على عين المواطن اللبناني، وللنهب "على عينك يا تاجر"؛ في أخطر عمليات إبرام صفقات من "الكعكة الحرام".
"حكومة الوحدة الوطنية" قبل نحو سنة وبضعة أشهر من الانتخابات النيابية، تجعل الغرض من "الاستيزار" تبييض الصفحة مع الناخبين، بحيث تغدو وزارات الخدمات سيادية أكثر من "السيادية"، خصوصاً الأشغال والطاقة والزراعة والعمل والصحة والشؤون الاجتماعية، وبما أن حكومة الوحدة الوطنية هي محض سياسية "للقتال والنقار" على الكعكة، فإنها غير مطلوبة لا لبداية العهد ولا لبازار ما قبل الانتخابات النيابية وشراء الذمم بالخدمات على حساب الدولة.
وانتفاء جدوى تشكيل "حكومة وحدة وطنية" لا يعني أن هناك خللاً في الهيكلية السياسية اللبنانية لصالح فريق على حساب فريق آخر، لأن رهان البعض على لبنان "ما بعد حزب الله" كان مستعجلاً أكثر من اللازم، إن لم نقُل خائباً، وها هي نتائج "إسناد غزة" رغم تحفظات البعض عليها، أظهرت الصفعة التي تلقاها العدو الصهيوني في غزة، من خلال انتصار الحق الفلسطيني والعربي بفرض وقف إطلاق النار وبقاء أبناء غزة في أرضهم ولو على رُكام، تماماً كما تحولت رهانات بعض اللبنانيين على تغييب شريحة تمثل ثلث الشعب اللبناني إلى رُكام.
ورفضُ تسمية حكومة الوحدة الوطنية من غالبية الشرائح الشعبية سببه واضح: عدم الاستثمار، وإلى الأبد، بالرؤوس الحامية التي اعتادت أن توزِّرها الأحزاب، لجعل طاولة مجلس الوزراء للكباش السياسي الذي ما أنتج للمواطن اللبناني فرصة عمل، ولا حفظ له ودائعه المصرفية، ولا استولد كهرباء 24/24، ولا حدَّ من الضائقة الاقتصادية، ولا حتى حافظ على سمعة لبنان في الخارج، بل جعله من الدول المارقة، والأولى على لوائح مؤشرات الفساد العالمية.
البعض من النواب يقول: لتكُن حكومة تكنوقراط ذات تمثيل للكتل النيابية، ونحن نُضيف: حكومة اختصاصيين في بلد لا يفتقر للكفاءات بل يُصدِّرها إلى الخارج؛ في أقسى موجة هجرة عرفها لبنان، ولتتقاعد الرؤوس الحامية من كل الأحزاب، لأن رؤوس اللبنانيين باتت أكثر حماوة، لدرجة أنها قد تنفجر حمماً عند أية عرقلة لتشكيل هذه الحكومة بالذات، ولتتأقلم القوى السياسية في لبنان مع المتغيرات الإقليمية، ولتصافح الأيدي الممدودة للبنان، العربية منها والدولية، في ظروف ملائمة منذ انتخاب الرئيس جوزف عون.
لا لزوم لإطالة الحديث في مسألة ميثاقية الحكومة، لأنها حتمية، لكن هذه الميثاقية لا تعني عدالة التمثيل الشيعي بوزراء كيفما كان عددياً، سواء شارك "الثنائي" مباشرة في الحكومة أم لم يُشارك، فإن الوقوف على خاطر الكتل النيابية عند التشكيل، يستوجب الوقوف على خاطر 27 نائب شيعي، والإتيان بحكومة غير سياسية لسببين: أولاً لأن الشعب اللبناني لا يريد حكومة من سياسيين، وثانياً لأن ورشة العمل الطويلة لبناء هيكل مؤسسات الدولة يستدعي أهل اختصاص ووزراء للعمل وليس للمشاكسة، وبالتالي، طبيعي للحكومة العتيدة أن تنال ثقة الكتل البرلمانية التي سمَّت الرئيس سلام أو غالبيتها، والرجل أتى من واقع حال المجلس النيابي، باعتباره ممثلاً للشعب اللبناني، وبانتظار المجلس النيابي الجديد في العام 2026، من الأفضل اختفاء الأسماء السياسية المستفزة والنافرة من لائحة التوزير، ويبدو الرئيس نواف سلام ومعه الرئيس جوزف عون في هذا التوجُّه.