أقلام الثبات
يبدو ان المخاض اللبناني - السوري - الفلسطيني لن يؤدي الى تحقيق ما يريده الحالمون بالإنجازات الاميركية - "الاسرائيلية" - التركية, بالتوازي مع ذروة التدخلات، اكانت عربية ام غربية التي تجد لها حواضن من دون اعتراض ولو مظهري بشأن السيادة الوطنية، لا بل ان المروجين وهم اصلا من انتاج غربي ومن القوى نفسها، تاريخياً او من سلالتها "الحيادية" شكلا, وانغماسية حتى الاذنين فعلا .
من "الخماسية الدولية" التي تتابع الملف اللبناني (الولايات المتحدة وقطر والسعودية وفرنسا ومصر)، والتي كان احد اهدافها اللسانيّة "منع تدهور الصراع بين لبنان المقاومة وإسرائيل إلى ما هو أخطر، ومحاولة اندلاع حرب بينهما", وقد فشلت فشلا ذريعا، بل كانت اقرب الى التواطؤ فرادى وجماعة مع "اسرائيل", الى الخماسية الميدانية لمراقبة تطبيق اتفاقية وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، برئاسة الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز، التي يُفترض أن يشكل حضورها على الأرض بداية لوقف الانتهاكات "الإسرائيلية" للاتفاقية، وهي تفشل عن سابق تصميم في لجم العدوان "الاسرائيلي" المستمر قتلا وتدميرا, وهي تدرك ادراكا واسعا ان ما يجري ليس مجرد انتهاكات.
أليس من غير الممتع ان تكون اللجنتان برئاسة اميركية, اي من الولايات المتحدة التي دمرت "اسرائيل" بسلاحها قرى الجنوب والبقاع والضاحية, وقتلت الاف اللبنانيين, وابرمت مع "اسرائيل" اتفاقا جانبيا من خارج اتفاق تطبيق القرار 1701، يسمح للمعتدي باستباحة بر الوطني اللبناني كما الجو والبحر اللبنانيين لمجرد الظن "الاسرائيلي" الاثم بان هناك من يهدد امنها، بدون اي لفتة الى الامن اللبناني وامن المواطن اللبناني وملكية المواطن اللبناني؟
ايام قليلة وتنتهي مهلة الستين يوماً، وسط ضياع سياسي عما ستؤول اليه الامور, فيما يمرر الاميركيون عبر السنتهم المحلية وتسريباتهم الديبلوماسية ان هناك اشكاليات تعيق الانسحاب "الاسرائيلي", وبمواكبة حملة اعلامية مموجة ان على المقاومة ان تلقي السلاح ارضا, حتى ان الموفد عاموس هوكشتين لم يعط جوابا حاسما اذا ما كانت قوات الاحتلال ستنهي انسحابها بحلول اليوم الستين، مصحبا كلامه بأمل التزام الاطراف بتنفيذ الاتفاق، ومن دون السؤال عن اليوم التالي, او ما يمكن ان تقدم عليه قوات الاحتلال, بالطبع بالتنسيق مع الاميركي, الذي لا هم لديه في لبنان سوى الوصول الى سلطة تكون اداة لتوقيع اتفاق اذعان كامل الاوصاف مع عدو لبنان، وهو الركن الاساسي في حركة عاموس هوكشتين, الذي تقول معطيات مستقاة من مصادر اميركية ان ليس كل ما يقوم به موفد الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن توافق عليه ادارة دونالد ترامب، والتي تستعد لتسلم البيت الابيض..
كم كان مخزيا الانقلاب على التفاهم حول اختيار من يكلف بتشكيل الحكومة، في ضوء التبريرات "السيادية", بحيث تزاحم المحاضرون في العفة السيادية والوطنية, والحياد على الخضوع, خضوع دونه التفاخر بالذل, والقصائد بعدم الاقصاء للذين جرت الخيانة بحقهم, واولئك كان الاجدى ان لا يثقوا بوعود سواء اميركية او خليجية.
أليس من المعيب، على الاقل على القوى السياسيّة, ان تنتظر دوما الاشارات من الخارج من اجل انتاج رئيس للجمهورية، فيه مواصفات لبنانية، مع استقواء بالخارج، وهم صاغرون, لا بل يبررون؟ حتى لو ادت خياراتهم الى فوضى اجتماعية تتدرج الى ما لا تحمد عقباه، بإذعان شامل للوصاية الغربية عموما والاميركية خصوصا ان بعض القوى تراهن على الاستقواء بحكام سوريا الجدد , رغم ان الوضع في سوريا لم يستقر , ولا يبدو انه في هذا الاتجاه , وهو ما ابلغته جهات اميركية للجميع , بان الوضع في سوريا "مخيف" كما ابلغت حرفيا ان لا احد يعرف ماذا يمكن ان يحصل، فهناك مخاوف جمة من الفوضى التي يمكن ان تحصل , سيما ان هناك افتقاراً الى الخبرة بشكل كبير , كما ان عمليات الانتقام متواصلة على الهوية والانتماء والوظائف.. من دون الاشارة الى ما تقوم به "اسرائيل" في سوريا على خطورته على وحدة سوريا .
ترى "إسرائيل" وفق تقديرات مراكزها البحثية ان امامها "تحديات جديدة" إلى جانب "فرص محتملة"، ما "يتطلب من إسرائيل الحفاظ على جهوزية عسكرية عالية، ومواجهة تهديدات وانعدام اليقين بشأن نوايا اللاعبين المحتملين في سوريا، وبضمنهم تركيا، ولجم إمكانية عودة تموضع محور إيران وحزب الله في الأراضي السورية".
ويرى "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أنه من الجهة الأخرى، فان "تصريحات الشرع المنضبطة بالنسبة لإسرائيل، وكذلك وجود جهات معتدلة وضعف محور المقاومة وروسيا في الأراضي السورية، من شأنها فتح الباب أمام مبادرات دبلوماسية".
وعلى "إسرائيل" أن تستعد لكلا السيناريوهين: "استقرار سورية بقيادة نظام معتدل وفعّال، أو تحولها إلى حلبة ينشط فيها لاعبون متطرفون، ومن شأنهم تهديد أمن إسرائيل، وذلك من خلال تبني سياسة تشجع اتجاهات تطور إيجابية. والدمج بين حزم أمني مع خطوات سياسية وإنسانية مدروسة سيمكن إسرائيل من الدفاع عن حدودها، وأن تشارك في جهود استقرار المنطقة، وأن تشدد أهميتها وتحسّن مكانتها في الحلبتين الإقليمية والدولية".
وحسب التقرير، فإن أمام إسرائيل ثلاثة بدائل مركزية: الأول، استمرار السيطرة على الأراضي السورية التي احتلتها الشهر الماضي والتأثير فعليا على نزعها من السلاح؛ البديل الثاني، هو استمرار احتلال الأراضي السورية في المنطقة العازلة وجبل الشيخ كله، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح وإنفاذ ذلك بنيران إسرائيلية؛ والبديل الثالث، سحب إسرائيل قواتها شريطة التوصل إلى تفاهمات مستقرة مقابل النظام الجديد وبرعاية أميركية وتعاون تركي.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل اختارت حتى الآن البديل الثاني، لكن "تحليل التداعيات يشير إلى أن البديل الثالث هو الأفضل إلى جانب الغايات الأمنية والإستراتيجية , الإسرائيلية للمدى البعيد".
هذه الخلاصات "الاسرائيلية" تحاكي المراد في المرحلة المقبلة، وغايات الكيان الغاصب مع محاولة القفز على جوهر الصراع، وهو القضية الفلسطينية التي يجب ان تبقى الاساس في اي مقاربة لاي حل ممكن، سواء في لبنان او سوريا, وفي كل الاقطار العربية، وبدون ذلك تبقى المقاومة حاجة لا يمكن الاستغناء عنها.