الثبات ـ عربي
في محاولة لدفع الاقتصاد السوري المنهك والمدمر، بدأت القيادة الجديدة في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، فتح قنوات تواصل مع رجال أعمال سوريين غادروا البلاد عقب سقوط سلطة بشار الأسد، بسبب مخاوف من عمليات انتقامية على خلفية علاقتهم بتلك السلطة. وأثمرت المحاولة المشار إليها، حتى الآن، عودة عدد من أبرز رجال الأعمال، والذين قام بعضهم بـ»تسوية وضعهم» وغادروا، فيما آخرون بدأوا التحضير لعودة نشاطهم الاقتصادي.
ودخل رجال الأعمال الذين عادوا إلى سوريا، أو الذين هم في طريق عودتهم، حسبما ذكرت مصادر مطلعة، قبل نحو أسبوعين، في حوار مع السلطة السورية الجديدة بوساطة عربية، لمعرفة مصير أملاكهم أولاً، وبحث سبل عودة نشاطهم ثانياً. وبحسب المصادر، فقد رحّبت الإدارة السورية بعودة جميع المستثمرين ورجال الأعمال، حتى أولئك الذين تورطوا في علاقات مباشرة مع النظام السابق، وبشكل خاص ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري السابق بشار الأسد، والذي كان يقود «إمبراطورية اقتصادية» في سوريا.
وعاد محمد حمشو، أحد أبرز رجال الأعمال في سوريا، وأحد شركاء ماهر الأسد، إلى سوريا في زيارة قصيرة، التقى خلالها مسؤولين في الحكومة السورية المؤقتة لمناقشة وضعه ووضع ممتلكاته. وبحسب ما سربته وسائل إعلام سورية، فقد حصل حمشو على تعهد بعدم المساس به مقابل «إجراءات خاصة» عليه أن يقوم بها، من دون الإفصاح عن ماهية تلك الإجراءات، ما أفسح المجال للحديث عن تعهده بدفع مبلغ مليار دولار، وهو ما لم تؤكده أو تنفه أية جهة مسؤولة في سوريا. وبحسب المصادر نفسها، فقد أخبر حمشو عدداً ممّن التقاهم أنه جاء إلى سوريا «لرفع البلاء عن نفسه»، قبل أن يغادر البلاد مرة أخرى، من دون معرفة مصير استثماراته.
وبالإضافة إلى حمشو، عاد إلى سوريا مستثمرون آخرون، بعضهم متهمون بإدارة أملاك ماهر الأسد، كرئيف قوتلي، وخالد قدور، اللذين أجريا لقاءات أيضاً مع مسؤولي الإدارة السورية الجديدة. وفي وقت سابق، بدأ سامر فوز، أحد أبرز المستثمرين في سوريا، وأحد أبرز داعمي النظام السابق، إعادة تشغيل استثماراته، بعد اتفاقات مباشرة تمّت بينه وبين الإدارة من دون وساطة عربية، وأفضت إلى تقديم تسهيلات كبيرة لنشاط الإدارة، بما فيها التحكم بسلسلة فنادق يملكها فوز، أبرزها فندق «الفورسيزنس» في دمشق، والذي تحوّل إلى مركز نشاط سياسي واقتصادي للحكومة المؤقتة ومسؤوليها.
أثارت عودة رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة السورية السابقة جدلاً في الشارع السوري
كذلك، بدأ رجل الأعمال الحلبي، حسام قاطرجي، أحد أبرز ملّاك «مجموعة قاطرجي» الصناعية والتجارية، والذي كان يعدّ واحداً من أهم المتاجرين بالنفط، ويملك مشروعاً صناعياً كبيراً في حلب، تشغيل بعض استثماراته، وسط حديث عن عودة قريبة له إلى سوريا بعد التأكد من سلامته. جاء ذلك وسط ترحيب من الإدارة السورية الجديدة بعودته، وخصوصاً بعد إصداره بياناً اتهم فيه بشار الأسد بقتل شقيقه الأكبر براء قاطرجي، الذي قضى في تفجير على طريق دمشق - بيروت في تموز الماضي.
وفي خطوة يمكن اعتبارها الأكبر، حتى الآن، في هذا السياق، أعلن رجل الأعمال السوري، طريف الأخرس، عمّ أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، وأحد المتّهمين بتدمير صناعة السكر في سوريا لاحتكار تجارتها، اعتزامه العودة إلى سوريا عبر كتاب وجّهه إلى أحمد الشرع، وضع خلاله نفسه وجميع معامله تحت تصرف «هيئة تحرير الشام»، التي تحكم سوريا، لبناء البلد في المجالات العلمية والاقتصادية كافة، كما قال. وأضاف أنه تعرض للعديد من الممارسات من قبل النظام السابق، إلا أنه فضّل البقاء والعمل في مصانعه التي يعمل فيها نحو 2000 عامل، نافياً وجود أي صلة تربطه مع أي شخص من النظام السابق وحكومته، ومتحدثاً عن عدد من الانتهاكات التي تعرض لها.
وفي وقت أثارت فيه عودة رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة السابقة جدلاً في الشارع، وسط مطالبات بمحاسبتهم أو مصادرة أملاكهم، تصرّ الإدارة الجديدة على إفساح المجال لعودة من يرغب منهم. وهي تستهدف من وراء ذلك دفع الاقتصاد وتنشيطه أولاً، وتصدير نفسها على أنها منفتحة على الجميع في سبيل بناء الدولة، ما يضمن طيّ صفحة تاريخها المتشدد. وإذ ستكشف الأيام المقبلة حقيقة التعهدات التي تقدمت بها للمستثمرين العائدين، فقد يكون من شأن ذلك تشجيع آخرين على العودة.