أقلام الثبات
ما زالت القضية الكردية، بالإضافة الى وضع المجموعات سواء الدينية أو السياسية المختلفة، تطغى على أحاديث الموفدين الأجانب الى سوريا، وهو ما يجعل الحكم الجديد في سوريا أمام تحديات كبيرة؛ سياسية وعسكرية وأمنية.
وكان لافتاً خلال زيارة وزراء الخارجية الفرنسي والألمانية، حديث وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، حول أن "أملنا أن نرى سوريا آمنة بدون حروب واقتتال، ولذا يجب إسكات الأسلحة في كل أنحاء البلاد"، ودعا بارو الأكراد إلى "تسليم السلاح والاندماج في الحياة السياسية ولن نقبل بالإرهاب في سوريا".
جغرافياً، يعيش الأكراد في المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وأرمينيا، ويتراوح عددهم ما بين 25 و35 مليوناً، وقد لعبوا دورا هاماً في تاريخ المنطقة، فقد أنشأوا أول دولة لهم في إيران، وهي جمهورية "مهاباد" الكردية، التي أعلنها الأكراد بعد الحرب العالمية الثانية عام 1946، بدعم من السوفييت، لكنّ الإيرانيين قضوا عليها بسرعة.
وبالرغم من أنهم يشكّلون تقريباً ربع سكان البلاد، إلا أنهم لم يستطيعوا التوصل الى الانفصال عن تركيا وتأسيس دولة، بالرغم من المواجهات العسكرية. تغيرت الظروف مع مجيء الأميركيين الى المنطقة عام 2003، حيث لعبت التطورات دوراً هاماً في إعادة رغبتهم في تأسيس دولة.
بداية، ساعدهم الأميركيون في الحصول على الحكم الذاتي ضمن الدولة العراقية، وكانت حاجة التحالف الدولي للقضاء على "داعش" الى مقاتلين أشداء للتخلص من الإرهاب بعد عام 2014، فرصة للأكراد في سوريا لفرض سيطرة على الشمال الشرقي السوري، وتلقي الدعم من كل من الأميركيين والروس.
خاض الأكراد الحرب ضد داعش مع العديد من مقاتلي العشائر العربية المحلية وأسسوا "قوات سوريا الديمقراطية"، وسيطروا على الرقة وجزء كبير من دير الزور، ما جعلهم معادلة صعبة في المشهد السوري، وأثار حفيظة الأتراك الذين يعتبرون أن الوجود الكردي العسكري والسيطرة على مناطق محاذية لتركيا في سوريا هو تهديد للأمن القومي التركي.
واليوم، وعلى وقع التغييرات في سوريا، يطرح على بساط البحث في تركيا مسألة الأكراد مجدداً، حيث تقدم حليف أردوغان السياسي دولت بهتشلي؛ زعيم حزب الحركة القومية، بمبادرة لإنهاء المشكلة المتعلقة بحزب العمال الكردستاني. اقترح بهتشلي أن يتم الإفراج عن عبد الله أوجلان؛ الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني، والمحكوم عليه بالسجن المؤبد، مقابل إعلان حلّ الحزب والتخلي عن السلاح، على أن يتم هذا الإعلان أمام الكتلة البرلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي، المعروفة بأنها الجناح السياسي للحزب.
يهدف الأتراك من هذا الأمر الى حلّ قضية الأكراد في كل من تركيا والعراق وسوريا، خصوصاً في سوريا، التي تشكل القضية الكردية فيها خاصرة رخوة للأتراك، ولكل من الحكم الجديد الذي لن يستطيع الابقاء على سوريا موحدة مادامت "قسد" تسيطر على جزء كبير من الجغرافيا السورية، وبعد أن أسفرت الاشتباكات المتواصلة بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية في ريف منبج في شمال سوريا عن مئات القتلى، حسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لكن تبقى القضية معلّقة بانتظار تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما الذي سيقرره بخصوص الوضع الكردي في سوريا، وهل سيضحي بالأكراد ويسمح لتركيا بالسيطرة منفردة على سوريا، أم سيحاول تحجيم الدور التركي والضغط على الحكم الجديد في سوريا لحكم تشاركي وفيدرالية شبيهة بالعراق، أو سيبتعد عن التدخل المباشر بالموضوع ويترك الأمور تتجه الى الفوضى؟ الجواب في الأشهر المقبلة.