أقلام الثبات
من اهم حسنات الحرب الصهيونية – الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية التي سماها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بحرب الجبهات السبع انها أظهرت, وبدون أي التباس، ما كان مغطى بورقة شفافة, يشيح الكثيرون النظر عنها ويعاندون حقيقتها الواضحة على المستويات السياسية والثقافية والاخلاقية, والإنسانية التي تدور كلها حول المسألة الاقتصادية، ولا سيما الوحشية منها.
على المستوى السياسي العربي بشكل عام، وعلى المستوى "دول الطوق" - رحم الله هذه العبارة - كشفت الحرب التي لا تزال مستمرة, ثلاث فئات من الافرقاء:
1- الفريق الأول: رافض للاحتلال بكل اشكاله، وواجه، ولا يزال, المشروع الصهيوني – الغربي، وبلا كلل او ملل، رغم الجراح المثخنة، ليس من العدو , وانما وأكثر من ذوي القربة , من المحيط الى الخليج , الذين يرون في الخنوع والذل , والتبعية عبقرية سياسية في حفظ رؤوسهم الملوثة.
2- الفريق الثاني: انتهازي ووصولي، وحالم بصورة على كرسي , ولو كرسي نقال , لا يشبهه في القفز من مركب الى اخر, ومستعد دوما لتلقي الركل من أي كان لتقديم الولاء للذين يعتبرهم اسياد المرحلة بغض النظر عن النتائج, وهو المعروف شعبيا, ب"نقال البارودة من كتف الى اخر حتى يأخذ الله امانته", هذا على مستوى الافراد, اما على مستوى الجماعات اكانت أحزاب, او جبهات, او قوى, فالمصيبة واقعة منذ تكوينها , وفي لبنان امثلة لا تعد ولا تحصى , سيما من المتشدقين بالسيادة والحرية والاستقلال, وهؤلاء لا يكتفون بممارسة الوظيفة التي تم اختيارهم من اجلها في بلدهم, وانما يوغلون في تبني وترويج سرديات أعداء بلدهم لإرضاء احقادهم على الفريق الأول, بعد ان رسبوا في امتحان الوطنية والانتماء, وهم يدركون ما يفعلون, وكيف يشوهون الحقائق, مع التلاعب بعقول الناس وحشوها بأكاذيب وذرائع ,تارة مذهبية واطوارا امنية, وزع أوهام قاعدتها عنصرية وشوفينية
3- الفريق الثالث, هو المتمثل بحكومات دول , غارقة في المشروع الأميركي , مع منحها من أصحاب المشروع هامشا بسيطا , في بعض المواقف للاستظلال بها, والتظاهر بعدم التبعية المطلقة , الا ان اقتياد أولئك الى مربع التطبيع مع الكيان الصهيوني ولو بخطوة خطوة , اظهر حقيقة التخلي عن ما كان يطلق عليه "قضية العرب الأولى " , واستبدالها ب تصفية القضية التي اتعبتهم كما هم يجاهرون , ولولا ذلك لما تجرأ نتنياهو بالإعلان عن تغيير جذري للمنطقة العربية من ضمن "الشرق الأوسط", الذي تسعى اليه الولايات المتحدة على دماء وجماجم اهل الأرض من كبيرهم حتى الاجنة في بطون امهاتهم.
من هنا , يستدعي الواجب, ان نفهم حقيقة ما حصل في سوريا بغض النظر عن الاحتفالية بانتهاء نظام لم يساوم على القضية الفلسطينية طيلة نصف قرن وأكثر,
لقد كانت الخطوة الأولى التي قامت بها إسرائيل, بالتوازي مع السيطرة على دمشق من خلال الرعاية الأميركية التركية والدعم لما يسمى "هيئة تحرير الشام ", هو القيام بتدمير كل مقدرات سوريا , أي مقدرات الشعب السوري, سواء العسكرية, او الاستراتيجية او العلمية, - هناك 3 الاف عالم قتلوا او اخفوا او خطفوا ولا احد بعرف مصيرهم – ويخرج أبو محمد الجولاني ربيب القاعدة وداعش والأتراك, ليعلن بالفم الملآن أن لا نية ابدا بالاصطدام "بإسرائيل", التي كانت قواتها في الوقت عينها تجتاح مساحات أوسع من الجولان المحتل وتصل الى بضعة كبلومترات من دمشق, ويتباهى ب "تحرير سوريا".
لم يسأل أحد ممن تحررت سوريا؟ أمن الاحتلال "الإسرائيلي" الذي وسع احتلاله, ام من الاحتلال الأميركي وميليشاته الذين يسطرون على غالبية منابع الثروة النفطية والغازية السورية؟ ام من الاحتلال التركي الذي فرض في أماكن نفوذه السابقة تتريك كل ما وقعت يده عليه؟
بالإضافة الى هذا المشهد المريع , والاختيال بإسقاط النظام, الذي ارتكب ما ارتكب, فان ما يحصل في سوريا لا يؤشر ابدا الى إمكانية الاستقرار, فالارتكابات تجاوز بأسبوعين ما فعله النظام السابق بأضعاف، والاهم في تدمير النسيج الوطني السوري، وليست عمليات القتل والخطف والسحل والتصفيات الجسدية والسبي.
- ان تشكيل ما سمي بحكومة ليست فقط من طائفة واحدة، وانما من تنظيم عسكري واحد طالما كان الإرهاب بكل اساليبه هو الديدن .ليست سقطة, وانما قرار يفاخر به الجولاني .وهذه الحكومة, بالطبع ليست حكومة شرعية, ولا اختارها الشعب السوري, ولم تنل ثقة مجلس النواب ..الخ..
- ان منح الأجانب الذين قاتلوا ضمن المجموعات الإرهابية , الجنسية السورية , وتوطينهم على طريقة المنظمة الصهيونية العالمية التي تستجلب مستوطنين من شتى انحاء العالم , ليس امرا ارتجاليا , وانما الهدف الرئيسي هو تغيير هوية سوريا الوطنية.
- ان الجولاني – احمد الشرع - كحاكم مطلق, اين منه الملكيات والامارات, أصدر منفردا تشكيلات عسكرية في تكوينه لوزارة الدفاع ومنح رتبا لمجموعة من الأجانب؛ من الشيشان الى الايغور الى الاتراك وأيضا من الأردن, وبلاد المغرب، وهذا الامر بحد ذاته يغير في طبيعة وظيفة الجيش , وهو الامر الذي املته الإدارة التركية, وحتما بالتنسيق مع الإدارة الأميركية, من ضمن الخطة الأكبر, الا وهي تدمير النسيج المجتمعي السوري, ما يضع سوريا في عين الفوضى, وتدمير الهوية العربية.
إفرازات الحرب... ومصير سورية ــ يونس عودة
الأربعاء 01 كانون الثاني , 2025 11:27 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة