بديل المقاومة الاستسلام _ عدنان الساحلي

السبت 28 كانون الأول , 2024 12:22 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

​لطالما اعتبر شرفاء العرب والمقاومون أن عنجهية العدو الصهيوني وتصلبه وارتفاع سقف أطماعه واستقوائه، كفيلة بردع انظمة التطبيع العربية عن التفاوض مع هذا العدو؛ وعن إقامة علاقات معه، لكن دول التطبيع بخنوعها وجبنها وافتقادها لكل القيم الوطنية والقومية والدينية؛ وحتى الشهامة والفروسية الفردية، سقطت في وحل الخيانة وحققت للعدو أهدافه، وها هو بنيامين نتنياهو يشير منذ يومين إلى أن العرب قدموا له ما شاء من تنازلات.
​في المقابل، فإن هذا العدو الذي تعوّد على خنوع الأنظمة العربية وحكامها، كما تعود على تعامل بعض اللبنانيين معه، احتار كيف يكسر إرادة المقاومة في لبنان، فهو رغم كل قوته المدعومة بقوى أميركا والغرب؛ ورغم همجية غاراته واستهدافه المدنيين والأحياء السكنية، المؤيدة للمقاومة، فشل في كسر صمود المقاومين اللبنانيين عند خط القرى والبلدات الملاصقة للحدود مع فلسطين المحتلة، لذلك استغل التزام المقاومة باتفاق وقف إطلاق النار، ليحقق حلماً يراوده، عبر دخوله ولو لساعات إلى وادي الحجير.
​ولوادي الحجير والسلوقي رمزية كبيرة عند اللبنانيين، وعند العدو "الإسرائيلي" أيضاً؛ فهذه المنطقة الجنوبية شهدت خلال عدوان العام 2006 مجزرة بحق دبابات "الميركافا"؛ فخر العسكرية الصهيونية التي يدعي العدو أنها أقوى دبابة في العالم، لكن رجال حزب الله دمروا العشرات منها في ذلك الوادي، عندما أراد العدو عبوره للوصول إلى مجرى نهر الليطاني، وكانت تلك المواجهة التي دامت 33 يوماً، دافعاً لإقرار العدو بفشله في دخول الأراضي اللبنانية واحتلال اجزاء منها لفرض الغاء المقاومة ونزع سلاحها، وكانت تلك الهزيمة دافعاًّ للعدو لوقف عدوانه، عبر الاتفاق 1701.
​وخلال اليومين الماضيين، استغل العدو بكل جبن ووقاحة، وقف إطلاق النار المعلن في الجنوب؛ وانكفاء شباب المقاومة عن الميدان، ليدخل إلى تلك المنطقة التي لم يجرؤ على دخولها في المواجهات الأخيرة، وقام بمسرحية تجريف للطرقات وعمليات تفجير، بعدما استغل الموقف ذاته خلال الأيام السابقة للدخول إلى قرى وبلدات صمد المقاومون فيها طوال ستة وستين يوماً، منعوه فيها من الدخول إليها، ودمروا له عشرات الدبابات.
​حقق العدو مراده بالدخول إلى تلك المنطقة العصية، عندما تركت المقاومة المجال لقوى الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل"، كي تقوم بواجبها في الانتشار في تلك المنطقة، تنفيذا للقرار الدولي المجدد 1701، الذي أشرف مندوبو الإدارة الأميركية على التوافق حوله؛ وجعلوا اللجنة الثلاثية لجنة خماسية، بعد أن كانت تضم ممثلين لـ"اليونيفيل" والجيش اللبناني وجيش الاحتلال، فأصبحت تضم رئيساً لها هو جنرال اميركي، مع مشاركة فرنسية، كما يعتبر المبعوث الأميركي (حامل الجنسية "الإسرائيلية") عاموس هوكشتاين، الرئيس المدني لتلك اللجنة، في عملها لمراقبة تطبيق الاتفاق 1701، وتبين مع تطور الأحداث، أن دور تلك اللجنة هو مراقبة التزام المقاومة وحدها، في حين كانت شاهدة عمياء على ما يقوم به العدو من اعتداءات واستفزازات بحق لبنان والمقاومة.
​هذه التطورات أحرجت المسؤولين والساسة اللبنانيين، ووضعت الجيش اللبناني في موقف لا يحسد عليه، فهو من جهة ملزم بحماية أرض لبنان وشعبه وكل عناصر الدولة، في حين أنه كما يقال، ما بأيديه حيلة، فهو من جهة لا يملك الأسلحة التي تؤهله لمواجهة قوات العدو، في ظل "الفيتو" الأميركي الموضوع بمنع تسلحه بغير خردة مستودعات الجيش الأميركي، من مخلفات الحرب العالمية، كما أن هذه الأسلحة، على وضاعتها وتخلفها الزمني والتقني عما يملكه العدو، ممنوع استعمالها ضد هذا العدو، لأن "إسرائيل" في الواقع المكشوف قاعدة عسكرية أميركية وغربية متقدمة، تحرس المصالح الأميركية والغربية في المنطقة العربية، وتحمي نفوذ تلك الدول، وإذا فشلت "إسرائيل" في هذه الوظيفة، يتدخل الأميركي واتباعه مباشرة، مثلما شهدت كل حروب العدو في المنطقة؛ وآخر محطاتها ما يجرى منذ عملية طوفان الأقصى.
​والجيش اللبناني، من جهة ثانية، لم تصدر اليه اوامر بالتصدي والمواجهة، بل على العكس، عندما أعلن العدو أنه سيوسع عدوانه على لبنان براً، صدرت أوامر لمواقع الجيش الأمامية بالتراجع، تحت حجة اعادة الانتشار، كما أنه يعاني من فساد الحاكمين، ومن إفلاسهم لمالية الدولة، التي تعجز عن توفير رواتب تغطي الحد الأدنى من متطلبات الحياة لعناصره، وقد شهدت مواجهات المقاومة الأخيرة مع العدو، بطولات لضباط وجنود هذا الجيش الذين صمدوا في مواقعهم وحواجزهم التي استهدفها العدو؛ وقدموا دماء وشهداء، لكن الواقع المؤسف يؤكد أن الجيش عاجز عن حماية نفسه من العدوانية "الإسرائيلية"، فكيف سيتمكن من حماية لبنان ويواجه هذه العدوانية التوسعية، التي لا تخفي سعيها لاحتلال اجزاء من لبنان واقامة مستعمرات عليها، حتى أن قوات "اليونيفيل"، المتواطئة دولها مع العدو، لم تستطع إلا أن تقول في بيان لها، إن "اسرائيل" باعتدائها على المناطق السكنية والاراضي الزراعية وشبكات الطرق، تنتهك القرار 1701، وسط صمت اللجنة الدولية المطبق، بما يؤكد أنها تغطي التعديات "الاسرائيلية".  
​هذه الاستفزازات "الإسرائيلية" قوبلت برسائل مقاومة، أولها رد صاروخي من المقاومة، على مزارع شبعا المحتلة، مفاده ان المقاومة باقية وجاهزة لمواجهة العدو، في حال واصل جرائمه، والرسالة الثانية جاءت على لسان "شباب قرى الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة"، الذين أصدروا بياناً عددوا فيه جرائم العدو بحق تلك القرى والبلدات واهلها؛ وانتقدوا الصمت اللبناني والدولي تجاهها، وعدم تحرك الحكومة والجيش اللبناني لحمايتها، وأكدوا استعدادهم للدفاع عن قراهم واملاكهم بما تيسر لهم من سلاح، وأنهم لن يرضوا بأن يستمر العدو باعتداءاته البربرية الممنهجة، وسيطلقون مقاومة شعبية جنوبية للتصدي لهذه الهمجية، وهذا يعني أننا امام احتمال توسع دائرة المقاومة، وليس تغييبها مثلما يحلم البعض، فما يقوم به العدو "الإسرائيلي" يثبت مجدداً أن لا حلّ لمواجهته إلاّ بالمقاومة، لأنه لا يفهم غير لغة القوة، وأن لا بديل عن المقاومة لحماية لبنان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل