أقلام الثبات
بعد قرن على سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى بيد التحالف الغربي، وانسحابها من بلاد الشام، تعود تركيا بقيادة أردوغان، وبالتحالف مع الذين اسقطوها، لتستعمر بلاد الشام ثانية، وبالتناقض مع موقف السلطان عبد الحميد الثاني، الذي رفض العرض الصهيوني بمقايضة ديون الدولة العثمانية مقابل التنازل عن فلسطين، لنرى تركيا - أردوغان صارت الحليف الاستراتيجي "لإسرائيل" التي احتلت فلسطين.
استطاعت تركيا إسقاط سوريا برعاية وتكليف من التحالف الأميركي - "الإسرائيلي"، بواسطة الجماعات التكفيرية المتعددة الجنسيات، وحاولت إسقاط النظام في العراق عبر غزوة "داعش" الأولى، لكن فتوى المرجعية الرشيدة والحشد الشعبي أسقطا - مؤقتاً - المشروع التركي الذي عاد منذ أيام، وبلسان أميركي، يطلب حل الحشد، لفتح الطريق امام "داعش"، لإسقاط النظام، للوصول إلى حدود إيران البرية، وستعيد المحاولة في مصر، التي نجحت مؤقتاً واسقطها الرئيس السيسي، لاستعادة سلطتها التي تنازلت عنها في الحرب العالمية الأولى.
يقوم التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" - التركي بالهجوم الشامل على العرب، ويُسقطهم الدولة تلو الأخرى، فسقطت ليبيا ولم تهدأ بعد، وسقطت سوريا ولن تهدأ، وحاولوا اسقاط لبنان الذي لا يزال صامداً، وسيتحركون نحو العراق ثم الأردن و مصر، لتسهيل وتسريع ولادة "إسرائيل الكبرى"، ويقوم الأتراك بتنفيذ المشروع عبر الجماعات التكفيرية و"الإسلاميين الجدد"، ويعتقدون انهم سيكونون شركاء لأميركا و"اسرائيل" في الحصاد، لكنهم سيكونون الضحية الأخيرة بعد تنفيذ المهمات الموكلة اليهم (لأنهم مسلمون ولو كانوا علمانيين) وسيقعون ضحية الأوهام والأحلام الخاطئة بأنهم سيكونون ملوك "الشرق الأوسط" او اعادة "الخلافة" على حساب السعودية ومصر والعراق وسوريا.
يشعر أردوغان بالنشوة والنصر لأنه أسقط بشار الأسد، ويفرض شروطه على العراق، ويناشده الرئيس المصري السيسي بحفظ وحدة سوريا "العربية"، وسيتم تكليفه للوصول الى بيروت، التي عجزت "اسرائيل" في حرب تشرين الماضي عن اجتثاث المقاومة وهزيمتها، وسَيُكلّف أردوغان بإدارة المعركة، وقد التقى رئيس الحكومة اللبنانية، ثم التقى الزعيم الدرزي جنبلاط (الذي يبحث عن حماية للدروز في سوريا)، وربما سيلتقي شخصيات لبنانية أخرى، لتكون له الكلمة الفصل في تسمية رئيس الحكومة المقبلة، ويكون لأميركا الكلمة الفصل في تسمية رئيس الجمهورية المقبل!
يمتلك أردوغان في لبنان أوراق قوة متنوّعة أكثر مما يملكه أي طرف عربي، لتحريك الشارع "السّني"(الفلسطيني والسوري واللبناني) عندما تقتضي الحاجة، سواء بقطع الطرقات او الاعتصامات، وحتى المرحلة الساخنة بالنار، ويتقدم في لبنان على حساب الدور العربي، السعودي خصوصاً، والإماراتي والقطري والمصري، فكما ألغى أردوغان الدور العربي في سوريا، سيلغي الدور العربي في لبنان، ولو كانوا من المطبّعين مع "إسرائيل".
هل سيكون التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" - التركي هو التحالف الحاكم في لبنان للسنوات المقبلة، بهدف حصار المقاومة واجتثاثها، سواء بالعمل البارد عبر الحكومة اللبنانية والقوى الأمنية والقرارات الإدارية والسياسية والمالية، او عبر العمل الساخن، سواء بالنار "الإسرائيلية" او بالفتنة الداخلية المذهبية المتعدّدة الجنسيات العربية، وربما الأجنبية؟
امتلاك تركيا ورقة المعارضة السورية التي استلمت الحكم سيعطيها الدور الذي كانت تلعبه "سوريا الأسد" في العقود الماضية، لأنها تملك القرار السوري وتملك قرار بعض الجهات الإسلامية في لبنان، وكذلك بعض التنظيمات الفلسطينية، وكل النازحين السوريين في لبنان.
السؤال: هل، ومتى سيصل وزير الخارجية التركي الى لبنان لإملاء شروطه، أم انه سيتعامل "بغرور" وعنجهية مع اللبنانيين ويستدعيهم الى إسطنبول؟
ستبقى المقاومة في لبنان الهدف الرئيسي للتحالف الأميركي - "الإسرائيلي" الذي سيستخدم كل الطرق، ومن كل الجهات، للقضاء عليها واجتثاثها، لأن بقاء المقاومة في لبنان يعني بقاء "خميرة" الفكر والعمل المقاوم في الأمة التي يمكن ان تعود وتستيقظ ثانية، وهذا ما تخاف منه "إسرائيل" وأميركا.
علينا ان نواجه المخطط الأخطبوطي الخبيث، بعقلانية وموضوعية وبدون انفعالات او نخوة غير محسوبة، وتوسعة أطراف المقاومة وأساليب ووسائلها واخراجها من "شيعيّتها" الى عناوين أوسع تضم المذاهب الإسلامية والمسيحية، والأحزاب اليسارية والعلمانية والقومية والشخصيات الوطنية، فالحرب لم تنته بعد، ويجب ألا تنتهي إلا بانتصار المقاومة ولو بعد حين، ويجب عدم الاستسلام ولا إعلان الهزيمة.
هل ومتى تصل تركيا الى بيروت؟ بعد دمشق؟ _ د. نسيب حطيط
الأربعاء 25 كانون الأول , 2024 02:14 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة