ترامب.. "حمامة السلام" ذات المخالب ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 12 تشرين الثاني , 2024 10:36 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

"لن أبدأ الحروب بل سأنهيها"، هي "البشرى" التي أراد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب نقلها إلى العالم، ورحَّب بذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصفته المعني بالحرب في أوكرانيا ولكن، لا يُعتقد أن رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتانياهو أو "بيبي" كما يناديه ترامب، سيكون مرتاحاً لأجندة الحزب الجمهوري خلال الولاية الثانية لصديقه ترامب، سيما أن "الشرق الأوسط الجديد" هو طرح الحزب الديمقراطي منذ ولاية باراك أوباما ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس.

بصرف النظر عن طول انتظار نتانياهو لقدوم ترامب، فإن "الشرق الأوسط الجديد" كان يُفترض أن تتظهر ملامحه في عهد الديمقراطي بايدن ونائبته كاميلا هاريس، لأن كليهما ربيب أوباما ولكن، الظروف تغيرت، خاصة بعد "طوفان الأقصى" والعدوان على غزة ولبنان، ولا يمكن أن تتضمن أجندة ترامب خارطة ذلك الشرق الأوسط ما دام يتظاهر بأنه آتٍ "حمامة سلام"، ولو أنها ذات مخالب كلما كانت مصلحة أميركا تقتضي تهشيم الخصم والحليف معاً، سيما وأن ترامب هو من جماعة "فرض العقوبات" وليس يحتاج حروباً لترويض "المتمردين".

والبديل عن الشرق الأوسط "الديمقراطي"، سعى ترامب في ولايته الأولى إلى تحفيز التطبيع مع "إسرائيل" عبر تسويق وحدة "الديانات الإبراهيمية"، اليهودية والمسيحية والإسلام، وحصل التطبيع على أساسها مع البحرين، ومع الإمارات التي شيدت في العاصمة أبو ظبي "البيت الإبراهيمي" الذي يضم كنيساً وكنيسةً ومسجداً، وكانت المملكة العربية السعودية على وشك الانضمام لدول التطبيع، لكن موقعها العربي والإسلامي، دفع بقيادتها إلى اشتراط الاعتراف بدولة فلسطينية قبل التطبيع، وكانت الأمور قبل عملية طوفان الأقصى سائرة في هذا الاتجاه، لو لم تحصل تلك العملية وتخلط أوراق المنطقة والعالم.

وهزيمة كاميلا هاريس المدوِّية أمام ترامب، لا تشبه إطلاقاً هزيمة هيلاري كلينتون أمامه عام 2016، لأن كلينتون تفوَّقت عليه بالصوت الشعبي وخسرت بأصوات "المجمع الانتخابي"، وخسارة هاريس لا ترتبط فقط بخيبتها في طرح ملف الإجهاض مقابل ملف الاقتصاد الذي يحمله ترامب، بل في مقاربتها المترددة لبعض الملفات خاصة مسألة دعم   "إسرائيل"، بحيث لا أرضت اللوبي الصهيوني، ولا أرضت المجموعات العربية والإسلامية التي رأت فيها امتداداً ل"حربائية" جو بايدن في السياسة ونفاق إدارته لأكثر من عام في جرائم إبادة أبناء غزة.

وعقل دونالد ترامب الاقتصادي عنصر طبيعي في شخصية رجل أعمال يعرف من أين تؤكل الكتف، وهو كما استخدم حساباته للفوز الساحق، بإمكانه استخدامها للحُكم، خاصة بعد الاستحواذ على الأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ لصالح الحزب الجمهوري، مع دعم شعبي كبير يخوِّله ضبط الداخل، ويؤهله خارجياً لأن يحقق المكسب السلطوي والمادي لأميركا، بلا حروب ولا أسلحة، باستثناء سلاح العقوبات الذي يُجيد استخدامه أكثر من أسلافه.

تبقى المسألة الأهم التي تشكِّل قاسماً مشتركاً بين بايدن وترامب، هي معضلة "اليوم التالي" في غزة، والتي تشتمل أزمات مواجهة العدوان "الإسرائيلي"، مع طهران وصنعاء وبغداد وبيروت والضفة الغربية، والسؤال الذي يكرر نفسه، من ولاية بايدن إلى ولاية ترامب، ماذا عن مليوني فلسطيني ينزحون من غزة الى غزة ويرفضون الانتقال إلى سيناء، ولا يستبدلون خيمة النايلون في القطاع بمُدن قد تُبنى لهم خارج أرضهم، وإذا كان الجواب في استمرار الحرب، فلا ترامب يريدها كما يزعم، ولا مصر جاهزة لإقامة دويلة على أرضها، ولا الشعب الفلسطيني يرضى بكل حلول الترانسفير والتهجير.

وليست أزمة الضفة الغربية أقلّ شأناً من قطاع غزة، وتسميتها في الذاكرة الصهيونية تبقى "يهودا والسامرة"، مع إعلان وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سيموترتش منذ ساعات إصدار أوامر بالاستعداد لبسط السيطرة عليها، مع ميل لدى ترامب منذ ولايته الأولى "تطويبها" لنتنياهو كما الجولان المحتل، عبر توسعة الاستيطان وتضييق الخناق على أربعة ملايين فلسطيني في الضفة يرفضون الانتقال إلى الأردن، وبقدر ما أن انتقال مليوني فلسطيني من القطاع إلى سيناء قد يهدد كرسي الرئاسة المصرية، فإن انتقال شرائح من الشعب الفلسطيني من الضفة إلى الأردن كافٍ لتقويض العرش الهاشمي.

وإذا كان البعض يعتقد، أن الأمور سوف تُحسم في غزة ضمن جغرافية الشرق الأوسط بصرف النظر عن النتائج، فإن الأزمة قد تمَّ تدويلها، ليس بالضرورة سياسياً، بل على المستوى الجماهيري، وما حادثة التصادم بين العرب واليهود في أمستردام سوى نموذج عن الآتي الأعظم من المواجهات العرقية والدينية في كل تجمُّع شعبي ووسط أي حشد جماهيري من أوروبا إلى أميركا، والعيون ترنو إلى هناك، وهناك ستكون تداعيات "اليوم التالي" ولمدى عقود قادمة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل