الثبات- إسلاميات
لابد لسالك طريق الوصول إلى الله تعالى أن يمر ببعض المقامات، وأولها التوبة، فمن لا توبة له لا سيرله، وهي منطلق السالك في سيره إلى ربه
التوبة: رجوع عما كان مذمومًا في الشرع إلى ماهو محمود فيه، وهي مبدأ طريق السالكين، ومفتاح سعادة المريدين، وشرط في صحة السير إلى الله تعالى
وقد أمر الله تعالى المؤمنين بها في آيات كثيرة، وجعلها سببًا للفلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى:{وتوبوا إلى الله جميعًا أيّه المؤمنون لعلكم تفلحون}
وقال تعالى:{استغفروا ربكم ثم توبوا إليه}
وكان النبي المعصومﷺ كثيرًا ما يجدد التوبة ويكرر الاستغفار تعليمًا للأمة وتشريعًا قالﷺ: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة))
شروط التوبة: قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط مجتمعة فإن فقد أحد هذه الثلاثة لم تصح التوبة:
أحدها: أن يقلع عن المعصية
والثاني: أن يندم على فعلها
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة السابقة
الرابع: أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه رده إليه، وأن كان حق الآدمي حدُّ قذف ونحوه مكَّنه من نفسه أو طلب منه العفو، وإن كانت غِيبة استحلَّه منها، ويجب أن يتوب من جميع الذنوب.
ومن شروط التوبة: ترك قرناء السوء، وهجر الأصحاب الفسقة الذين يحببون للمرء المعصية، ثم الالتحاق بصحبة الصادقين الأخيار كي تكون صحبتهم سياجًا يردعه عن المعاصي
والصوفي لا ينظر إلى صغر الذنب، بل ينظر إلى عظمة الرب، اقتداءً بأصحاب رسول اللهﷺ كان سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا نعدُّها على عهد رسول اللهﷺ من الموبقات) ولا يقف الصوفي عند التوبة من المعصية، بل يتوب من كل شيء يشغل قلبه عن الله تعالى وإلى هذا أشار الصوفي ذو النون المصري بقوله: (توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة)
ويقول عبد الله التميمي رضي الله عنه: (شتان بين تائب وتائب، فتائب يتوب من الذنوب والسيئات، وتائب يتوب من الزلل والغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات والطاعات)
واعلم أن الصوفي كلما صحح علمه بالله تعالى، وكثر عمله دقت توبته، فمن طهر قلبه من الآثام والأدناس وأشرقت عليه أنوار الإيناس لم يخف عليه ما يدخل قلبه من خفي الآفات، ومايعكر صفوه حين يهم بالزلات، فيتوب عند ذلك حياء من الله الذي يراه ويستتبع التوبة الإكثار من الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، وهذا يُشعر الصوفي بالعبودية الحقة، والتقصير في حق مولاه، فهو اعتراف منه بالعبودية وإقرار بالربوبية
يقرأ الصوفي في كتاب الله قوله تعالى:{فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأمول وبنين ويجعل لكم جنت ويجعل لكم أنهرًا}
وقوله تعالى:{إن المتقين في جنت وعيون ءاخذين ما ءاتهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون}
يقرأ الصوفي هذه الآيات وغيرها، فيذرف الدمع أسفًا على ما قصر في حياته، وحسرة على مافرط في جنب الله، ثم يلتفت إلى عيوبه فيصلحها وإلى تقصيراته فيتداركها وإلى نفسه فيزكيها، ثم يكثر من فعل الطاعات والحسنات عملًا بقولهﷺ: ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها)).