مقالات مختارة
– تحدّث وزير الحرب في الكيان يوآف غالانت موجّهاً كلامه إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فقال “حتى بعد انتهاء العملية بلبنان سنواصل استهداف حزب الله حتى ينسحب إلى ما وراء الليطاني ويعود سكان الشمال”. والكلام لا يمكن أن يمرّ دون التوقف ملياً أمامه وما يعنيه، والتساؤل حول واقعيته وإمكانية تحقيقه وكيفية تعامل المقاومة معه؟
– الحديث هنا من وزير الحرب وصاحب نظرية الحرب على لبنان منذ 11 أكتوبر 2023 كما قال، والهدف هو تدمير حزب الله وتفكيك بنيته القتالية، وإبعاد خطر قيام مقاتلي المقاومة بعملية قال بيان رسميّ لجيش الاحتلال إن المقاومة حشدت منهم 3000 مقاتل على الحدود لتوغل يشبه طوفان الأقصى، والحديث عن العملية البرية التي حشد لها غالانت وجيشه ست فرق مقاتلة هي تقريباً كل جيش الاحتلال في ضوء ما تفرضه مقتضيات استمرار الحرب في غزة والضفة بوتائر متعدّدة، لا يمكن للاحتلال تجاهلها. والحديث أمام الحليف الاستراتيجي الذي جاء مبعوثه الرئاسي يجسّ نبض لبنان حول مدى إمكانية قبول تعديلات على القرار 1701 لصالح منح جيش الاحتلال امتيازات أمنية على حساب السيادة اللبنانية كثمن لوقف الحرب التي يشكل القتل والتدمير أداتها وتشكل العملية البرية عنوانها، فماذا قال غالانت وماذا قصد من قوله؟
– يتحدّث غالانت عن مراحل منفصلة متسلسلة كما يلي، وقف العملية البرية، استمرار استهداف حزب الله، انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، عودة سكان الشمال، وقبل نقاش مدى واقعية تحقيق هذه الأهداف وهذا التسلسل، لا بد من أن يلفت انتباهنا الحديث عن وقف العملية البرية بصفته الخبر الذي يتصدّر النص، والوقف هنا محسوم، والحديث مباشر وصريح عن ما بعد الوقف، بصيغة حتى بعد انتهاء العملية البرية، ما يعني أن الوقف صار أمراً واقعاً، ولو لم يتمّ بعد، والبحث بما بعده، ولكن من دون عودة سكان الشمال، ومن دون إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ومن دون الحصول على امتيازات أمنية لجيش الاحتلال ضمن اتفاق مع لبنان كان يفترض أن لبنان سيقبل بها طلباً لوقف العملية البرية، التي سوف تقف من تلقاء ذاتها. فلماذا تقف العملية البرية؟ ماذا حققت طالما أن ما سوف يستمرّ هو ما كان قائماً قبلها، لجهة الاعتماد على الاستهداف الناري عن بُعد الذي فشل في تحقيق الأهداف، وكاد يستجلب طوفان أقصى آخر شمالياً يوازي خطر الطوفان الجنوبيّ في 7 أكتوبر 2023، ما جعل العملية البرية جواباً حتمياً على هاتين الفرضيتين، فشل الاستهداف الناري عن بُعد في فرض التراجع على مقاتلي حزب الله وضمان عودة سكان الشمال من جهة، وتفادي خطر طوفان الشمال المفترض.
– كلام غالانت يعترف بلا مواربة بفشل العملية البرية، وما هو أهم من ذلك، اعتراف بالعجز عن تحمل ضريبة البقاء في أي تمركز بري داخل الأراضي اللبنانية، في ضوء الخسائر التي تكبّدها المقاومة لهذا الجيش منذ ثلاثة أسابيع متصلة، أجملتها غرفة عمليات المقاومة بـ 70 قتيلاً و600 جريح و28 دبابة، أي ما يعادل خسائر حرب تموز تقريباً، وقد مضى بالمناسبة منذ تفجير أجهزة البيجر وبدء العدوان الشامل في 17 أيلول الماضي أكثر من 33 يوماً، بحيث صار البحث ضرورياً عن مرحلة ما بعد انتهاء العملية، كما قال غالانت، لكن السؤال هو ما دام قرار وقف الحرب والعودة إلى المعادلات التي كانت تحكم الحدود لم ينضج بعد، ولا تزال قيادة الكيان العسكرية والسياسية عاجزة عن الاعتراف العام بالفشل، فإن البحث عن الإطار المناسب بهدف تمهيد الطريق للخروج من الحرب البرية، يتمّ من داخل العلبة التقليدية، رغم أنه مخالف للمنطق، وعاجز عن إقناع أحد، فالحرب البرية لم تكن خياراً أصلياً لجيش الاحتلال وحكومته رغم كل العنتريات والتهديدات، خشية هذا الفشل، لكنها جاءت خطوة إلزامية بعد ادعاء القضاء على المقاومة وقدراتها وهيكليتها، من دون أن يترجم ذلك بتوقف انهمار الصواريخ على مستوطنات شمال فلسطين، وزاد الضغط طلباً لبديل عن اعتماد التفوق الناري لوقف الصواريخ بعدما زاد عددها واتسعت مساحتها وصارت أشدّ قوة وقدرة، فكيف يمكن تصديق أن العودة الى القوة النارية التي تسبب فشلها في إخضاع المقاومة وإيقاف صواريخها، باستدعاء القوات البرّية، لتكون هي البديل عن الفشل البري؟
– عملياً عندما يسلّم غالانت بلسان الجيش والحكومة في كيان الاحتلال بفشل العملية البرية، عبر التحدّث عن ما بعدها، فهو يتحدّث عن فشل الحرب كلها، لأن الحرب البرية كانت خشبة الخلاص للكيان وجيشه وحكومته من فشل القوة النارية في توفير الأمن وإخضاع المقاومة وإيقاف صواريخها، وما يشهده الكيان وحكومته وجيشه منذ بدء العملية البرية على مستوى القوة النارية للمقاومة لم يكن قد توقعه قبل بدء هذه العملية، من عملية بنيامينا إلى عملية قيسارية إلى حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا، والعودة إلى الرهان الناري سوف تعني مزيداً من تصعيد المقاومة نيرانها المعاكسة، من دون أن يعني وقف العملية البرية للكيان في وقت لاحق أن المقاومة ملزمة بمجاراته في التوقف البري، طالما أنه قال بأن العملية البرية كانت لمنع توغل المقاومة على نمط طوفان الأقصى، وقد يخرج في تبرير إنهاء العملية البرية بالقول إنه حقق الهدف، ويدّعي النجاح بالقول إنه منع فرص التوغل ويكون التوغّل ضرورياً لإثبات فشله!
– السؤال الحقيقي هو هل غالانت مقتنع أنه بالملاحقة سوف يجبر حزب الله على الابتعاد إلى ما وراء الليطاني، طالما لم ينجح جيشه بإبعاده بالقوة؟ وهل هذه وصفة لعودة مهجّري شمال فلسطين المحتلة أم هي وصفة توسيع مروحة التهجير، كما سبق ووعد السيد حسن نصرالله؟
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً