أقلام الثبات
بعد الاعصار الامني والعسكري الذي تعرّضت له المقاومة ضد قادتها ومجاهديها، وكذلك مجتمع المقاومة واهلها، وصولا الى لبنان كله، يبدو ان الامر لن يتوقف عند هذه الحدود، بعدما تحوّل لبنان الى "جبهة رئيسة" لإسرائيل والتحالف الاميركي العالمي، والذي يريد ان يثأر من المقاومة بمفعول رجعي منذ ثمانينيات القرن الماضي وتفجير مقر المارينز وغيرها في لحظة تعتقد الإدارة الأميركية بأنها اللحظة المناسبة، لإعادة الامساك بالمبادرة في المنطقة بعد سلسله من فشل المشاريع السياسية والعسكرية؛ من "صفقة القرن" الى "الربيع العربي"، ماعدا نجاح منظومة التطبيع وقلب المشهد السياسي من صراع عربي واسلامي مع "اسرائيل" الى صراع أميركي - "اسرائيلي" - عربي -،اسلامي ضد حركات المقاومة المعدودة في المنطقة، والتي لا يتجاوز عددها الخمسة منظمات، مقابل تحالف دولي يمسك بالعالم.
استطاعت "اسرائيل"، بدعم اميركي وعربي واسلامي، إبادة غزة طوال عام ولا زالت وارفقتها بعملياتها العسكرية في الضفة الغربية، وتخلّت عن ورقه الاسرى التي كانت ورقة المقاومة الفلسطينية القوية، وامتنعت عن توقيع اي هدنة او وقف اطلاق النار، وتحوّلت الى جبهة لبنان نيابة عن التحالف الاميركي، ويبدو انها تملك من المعلومات والتعهدات بان جبهة لبنان ستبقى مستفردة ووحيدة ويتيمة، وبالتالي يمكن القضاء عليها حتى لو استمرت الحرب لسنة او سنتين او اكثر، دون اجتياح بري يصيب "اسرائيل" بالخسائر، وقد بدأت اعتماد نموذج جديد من الحرب على المستوى العالمي يعتمد على الاغتيالات الفردية والجماعية وتصفية القيادات ومنظومات السيطرة، عبر عمليات جوية موضعية، والتي لا حدود جغرافية لها ولا قيود اخلاقية ولا قواعد اشتباك، وبالتالي حرب مفتوحه كما هي حرب غزة!
الهدف المعلن للعدو هو اعاده مهجّري الشمال الفلسطيني، لكنه في الحقيقة الثأر من المقاومة والقضاء عليها..
انجز الاسرائيلي "مجزرة البيجر واللاسلكي" وانتظر خطاب المقاومة؛ هل ستوافق على فصل الجبهة اللبنانية عن غزة؟ وهل ستوافق على اتفاق لإعادة المستوطنين؟
وبعد ما جاء الجواب على لسان الأمين العام: لا فصل عن غزة، ولا عودة للمهجرين، جاءت الضربة المؤلمة القاسية باغتيال "قيادة الرضوان"، التي يعتبر العدو انها ستكون المسؤولة عن تحرير الجليل، ونجح العدو بضربته القاسية، وما زال ينتظر جواب المقاومة.
سينتظر الجميع خطاب المقاومة خلال تشييع الشهداء، وما سيقوله الامين العام..
هل سيبقى على مواقفه بإسناد غزة وعدم وقف إطلاق النار، ام انه سيتجه الى معادلة ظرفية، لإعادة تنظيم وهيكلة القوى، بعد الضربات الواسعة والمؤلمة والمركزة، والتي لو تعرّضت لها اي دولة او حركة مقاومة لسقطت في لحظتها، لكن المقاومة اثبتت قوتها ومتانتها ورباطة جأشها، ولا زالت تقصف العدو بالصواريخ.
ينتظر هوكشتاين اتصالا هاتفيا من أكثر من جهة، بانتظار ما ستقوله المقاومة، فإن ثبتت المقاومة على موقفها ولم تتراجع، ستكمل "اسرائيل" ضرباتها بشكل أعنف وأقسى، مع ان ما تعرّضت له المقاومة هو الاقسى والاكثر خسارة!
إن المقاومة غير مضطرة ان تعمل تحت ضغط الانفعالات والحزن الذي يعيشه اهل المقاومة او شماتة الأعداء، فهدف المقاومة الأساس حفظ اهلها ووطنها، ومساندة المظلومين، فاذا اقتضت الضرورة ضبط النفس والتقاط الانفاس والنجاة من الاستدراج الأميركي - "الاسرائيلي" لكمين الحرب "الأكثر توسعة" فإن المقاومة ستختار بحكمتها وعقلانيتها وموضوعيتها، ضبط النفس وعدم الوقوع بالفخ، ولن تنتحر باجتياح الجليل كما يروّج العدو، وهذا امر اتّبعه الائمة (عليهم السلام)، فبعضهم حمل السيف واستشهد في كربلاء، وهذا ما فعلته المقاومة طوال 50 عاما، وبعضهم هادن ظاهرياً، خصوصاً بعد الثورة الحسينية والحقبة السجّادية التي تولاها الامام زين العابدين، والتي فرضتها مسؤولية حفظ الرسالة والدين، وعدم التأييد الظاهري للثورات التي قامت ثأراً للإمام الحسين ودفاعا عن الدين ضد الامويين.
مقاومة عاقلة وشجاعة وصابرة تعرف كيف تكظم غيظها وكيف تثأر من عدوها، واجبنا احتضانها ودعمها.. لقد قدمت لنا ما تستطيع، فلا نعاتبها ولا نعتب عليها، حتى ولو في لحظه انفعال من المحبين والانصار والصادقين...
إسرائيل وهوكشتاين.. بانتظار الخطاب القادم - د. نسيب حطيط
السبت 21 أيلول , 2024 12:24 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة