أقلام الثبات
سقطت كل حملات التشكيك بالمقاومة عند أول امتحان جدي، واثبتت الأكثرية الساحقة من اللبنانيين أنها لا يمكن إلا أن تنحاز إلى جانب أبنائها، الذين يتصدون لجرائم الغزاة الصهاينة؛ ويقاتلون ويقدمون التضحيات الغالية لصد هذه الحملة الأميركية - الغربية - الصهيونية، التي استولت على فلسطين وتنطلق منها لتهدد كل المنطقة العربية، بما في ذلك لبنان وكل حزام الدول والبلدان التي تحيط بفلسطين، تحت دعوى توراتية زائفة تقول: (حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل).
وشكل الالتفاف الواسع، الشعبي والرسمي والسياسي والمناطقي، حول المقاومة، استفتاءً للبنانيين، أسقط كثيراً من مقولات أبواق أميركا والغرب، من المتصهينين في خياراتهم وارتباطاتهم وعواطفهم، بما فيها ذلك الشعار السخيف: "لبنان لا يريد الحرب"، فليس هناك من لبناني يريد الحرب من أجل الحرب، بل هو واجب قومي وديني وإنساني، يدفع الشرفاء للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، في محنته بوقوعه تحت الاحتلال، من جهة، كما أنه من جهة ثانية واجب وطني بالدفاع عن لبنان في وجه الأطماع العدوانية والتوسعية "الإسرائيلية"، وواجب ديني لحماية القدس ومقدساتها: المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، من تدنيس الصهاينة لهما، ومن الأخطار التي تهدد تلك المقدسات، بسعي الصهاينة لبناء هيكلهم المزعوم، على ركام المسجد الأقصى، بعد أن يقوموا بتدميره.
وكعادته، منذ أن أنشأت بريطانيا والدول الغربية الكيان "الإسرائيلي"، نفذ العدو "الإسرائيلي" مجزرة يومي الثلاثاء والأربعاء الفائتين 17 و18 أيلول الحالي، ارتكب فيها جريمة حرب، باستغلاله التكنولوجيا "الذكية" وفنون الجاسوسية والغدر بالمدنيين، بهدف قتل أكبر عدد ممكن من عناصر المقاومة ومن العاملين في مؤسساتها والمحيطين بهم، من أهل وأبناء وجيران وأصحاب، من خلال عمل مخابراتي تدخل فيه في صفقة شراء أجهزة اتصالات من شركات غربية، أو تايوانية، زرع فيها متفجرات، ثم قام بتفجيرها بلحظة واحدة برسالة الكترونية. وقارب عدد المصابين بهذا العدوان الثلاثة آلاف، فيما بلغ عدد الشهداء 37. وبين المصابين عدد كبير ممن أصيبوا في وجوههم وأعينهم، أو بترت أصابعهم.
والذي لم يفاجئ المقاومة وجمهورها ومؤيديها، لكنه فاجأ أعداءها، أن تلك الجريمة وذلك العدوان استنهضا اللبنانيين من جمهور المقاومة؛ ومن كل من يرى في الكيان "الإسرائيلي" عدواً لدوداً محتلاً؛ وليس جاراً أو صديقاً، وشمل الاستنهاض الرائع جميع المناطق وكل الوان الطيف اللبناني، من قوى وأحزاب وتيارات سياسية متنوعة وكوادر طبية وفاعليات، قامت باحتضان الجرحى والمصابين وواست أهالي الشهداء؛ وأبرزت مواقف الدعم للمقاومة وتأكيد العداء لهذا العدو؛ وتأكيدهم على مواجهته وعلى ضرورة الرد على هذا العدوان، بما يكبح الإجرام الصهيوني ويدفعه ثمن وحشيته واجرامه، وكأن شبه الإجماع اللبناني الذي شاهدناه حول المقاومة هذا الأسبوع، يعلن قناعته بأن (لا حيادية ولا رمادية ولا موضوعية، في الصراع مع "إسرائيل"، فإن لم تكن هنا، فأنت هناك)، بما يؤكد ما كتبناه أكثر من مرة، بأن تطورات الصراع مع المشروع الصهيوني – الغربي، جعل اللبنانيين وكل شعوب المنطقة أمام خيارين: إما أن تخضع لهذا المشروع وتصبح عبداً له، أو تكون مقاوماً ومع خيار المقاومة.
ومن المؤكد أن أحد أهداف هذا العدوان كان تغيير المعادلات الداخلية اللبنانية، من خلال إضعاف المقاومة وفرض خيارات داخلية واقليمية عليها وعلى لبنان. مثل تلك المطالب، أو الإملاءات التي اعتاد أن يحملها الوسيط الأميركي- "الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، في زياراته المتكررة لبيروت، إن كان بتحييد لبنان عما يجري في غزة وفلسطين، أو على صعيد ترسيم الحدود الجنوبية، وفق المشيئة "الإسرائيلية"، أو بإيصال رئيس للجمهورية "متأسرل" أو متأمرك، لا فرق، المهم أن يكون معادياً للمقاومة، يتآمر عليها وتصدر عنه مواقف رسمية، تعارض عمل المقاومة ووجودها وتعترض على حملها السلاح، خصوصاً ذلك الذي يشكل تهديداً للعدو "الإسرائيلي". لكن بعد هذا العدوان ووقفة اللبنانيين الشجاعة، لم يعد من الممكن البحث في انتخاب رئيس للجمهورية، إلا ذلك الذي تدعمه المقاومة ويؤيد عملها في حماية لبنان، كما يتمسك بكل حقوق لبنان في أرضه ومياهه وبما تحتويه من ثروة نفطية.
اللبنانيون ينحازون للمقاومة ــ عدنان الساحلي
الجمعة 20 أيلول , 2024 11:57 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة