السيسي وأردوغان.. وقائع وأوهام ــ عدنان الساحلي

الجمعة 06 أيلول , 2024 10:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يعتقد كثير من المتابعين أن لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، في هذا التوقيت بالذات، ما هو إلا بيع أوهام لشعبيهما الغاضب على سكوت و"حياد" بلديهما تجاه ما يجري في فلسطين عموماً، وفي قطاع غزة تحديداً، من مجازر "إسرائيلية" وحرب إبادة ضد الفلسطينيين، تخطى عدد ضحاياها في القطاع، الأربعين ألف شهيد، وقارب عدد الجرحى المائة ألف، فما يفرق البلدين من تراكمات تاريخية أكبر من أن يستطيع الرئيسان تخطيها، إلا إذا انقلبت سياسة كل منهما راساً على عقب، وهذا ليس عصر المعجزات.
للوهلة الأولى، فإن لقاء السيسي وأردوغان يستدعي الانتباه إلى أن السيسي هو الذي اطاح بحكم "الإخوان المسلمين" في مصر بحملة دموية، كان أحد ضحاياها الرئيس المنتخب محمد مرسي، في حين أن أردوغان هو رئيس نظام "الاخوان المسلمين" الحاكم في بلاد بني عثمان، الذين سبق أن احتلوا مصر وارتكب جيشهم مجزرة بحق حكامها "المماليك"، في ذلك الزمن، في مذبحة القلعة، ثم انقلب القائد العسكري التركي محمد علي باشا على سلطانه؛ وجرد جيشاً مصرياً اجتاح به تركيا؛ ووصل إلى الأناضول، وكاد يقضي على السلطنة العثمانية، لولا تدخل الدول الأوروبية الست بجيوشها (روسيا وبروسيا وفرنسا وانكلترا والنمسا وإيطاليا)، فأجبرت محمد علي على التراجع إلى مصر والانسحاب من كل بلاد الشام، وبقيت سلالته تحكم مصر حكماً ملكياً، إلى أن أطاحت به ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر عام 1952.  
صحيح أن العجرفة والبلطجة "الإسرائيلية" وصلت تجاه مصر، إلى حد تجاوز بنود اتفاقية كمب ديفيد، التي تمنع وجود جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في محور فيلادلفيا، وهو منطقة عازلة تعرف فلسطينيا باسم "محور صلاح الدين"، حيث نصت معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر و"إسرائيل" عام 1979، على إنشائها على طول الحدود بين الطرفين، لكن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يصرّ على بقاء جيشه فيها، فيما ترفض السلطات المصرية وجود أي قوات "إسرائيلية" في هذا المحور، حيث لا يحق لـ"إسرائيل" مخالفة الترتيبات الأمنية القائمة من دون موافقة مصر، التي أكدت من جهتها أنها دمرت جميع الأنفاق التي كانت تُستخدم للتهريب بينها وبين القطاع، ومنعت إدخال المواد المحظورة إلى داخل القطاع، ونفت مزاعم "إسرائيل" استخدام المقاومة الخط الحدودي لتنفيذ عملياتها وتهريب الأسلحة للداخل. كما عززت مصر قواتها عقب الاستهدافات "الإسرائيلية" لمحور فيلادلفيا، وزادت من الحواجز، وحصنت محيط أبراج المراقبة والمواقع العسكرية المختلفة في المنطقة العازلة، وهذا يطرح باستغراب: هل وصل الموقفان المصري والتركي إلى حد الوقوف معاً في وجه "إسرائيل"؛ وهو حلم يتمنى تحققه كل من يناصر الشعب الفلسطيني؟
اللافت أن اتهام نتنياهو لمصر بأنها تسمح بمرور السلاح للمنظمات الفلسطينية المقاومة، عبر محور فيلادلفيا، دفع الدول المعروفة بارتباطها بعلاقات تطبيع مع "إسرائيل"، مثل الإمارات والأردن والسعودية، وكذلك تركيا، إلى إعلاء الصوت في رفض اتهامات نتنياهو والتضامن مع مصر، وهكذا جاءت زيارة السيسي وكأنها استقواء مصري بتركيا، في وجه غضب نتنياهو وحكومته، التي لا تخفي سياستها التوسعية، في تبنيها الشعار الصهيوني الأساسي: حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل، مما يدفع كثير من المحللين والمتابعين إلى اعتبار أن التحرك المصري، والتعاطف الخليجي والأردني والتركي مع مصر، جريا بناء على رغبة أميركية لمساعدة الأخيرة في ضبط تصرفات نتنياهو، لأن ما يقوم به يعطل المساعي الأميركية لدمج "إسرائيل" في المنطقة العربية، ويحرج الإدارة الأميركية، التي فعلت كل ما تستطيع وقدمت كل شيء لـ"إسرائيل"، من سلاح ومال ودعم عسكري واستنفار وحشد للأساطيل، لحماية الكيان العنصري المجرم وجعله ينتصر ويحسم حربه ضد المقاومة في فلسطين؛ وضد جبهات المساندة العربية لها. وأميركا تريد حماية "إسرائيل" من فشل قادتها، فيما هؤلاء يحرجون أنظمة التطبيع العربية أمام شعوبها. بل أن ما يفعله هؤلاء الصهاينة يتخطى اتفاقية اوسلو ويسقط كل الكلام عن حل الدولتين.
في المقابل، فإن تركيا العضو في حلف "الناتو"؛ والتي ترتبط بـ"إسرائيل" بأكثر من ستين اتفاقية ومعاهدة مفعلة، وتتبادل وجود السفارات وشتى أنواع العلاقات معها، يقف رئيسها رجب طيب أردوغان، ليقول إن على بلاده "وجوب تعزيز قوتها من أجل ردع إسرائيل عن ممارساتها ضد الفلسطينيين".
ويضيف: "لا يمكننا أن ندير ظهورنا عن القدس وفلسطين، ولا يمكننا السكوت عن ظلم إسرائيل تجاه أهالي غزة، ولا نفرق بين إسطنبول ومدينة القدس الشريفة، ولا نفرق بين غازي عنتاب وغزة"، فهل يجرؤ الرئيسان على ترجمة هكذا أوهام إلى وقائع ملموسة، تبدأ بطرد سفراء "إسرائيل" من بلديهما؛ والغاء الاتفاقيات والمعاهدات معها، وصولاً إلى نصرة شعب فلسطين في استعادة حقه في العودة إلى وطنه وإقامة دولته الوطنية، أم أن الخوف من إغضاب أميركا يبقي كل تلك الأقوال أوهاماً يدغدغ بها الحكام عواطف شعوبهم؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل