عملية "الأربعين".. والبقية آتية ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 27 آب , 2024 11:28 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

باتت هناك "إسرائيل جديدة".. قد يكون هذا التوصيف هو الأقرب إلى الواقع بعد عملية "الأربعين" التي قام بها حزب الله، كجزئية من عملية "طوفان الأقصى".
لن ندخل في التحليل العسكري، لأن له ما يكفيه من أهل الشأن الذين يتابعون شأنه، لكن من حقنا الحديث عن البُعد الوجودي لوضع الكيان الصهيوني، سيما أن عملية "الأربعين" هي حلقة من مسلسل انتصارات راكمتها المقاومة في لبنان خلال أربعين عاماً، أي منذ الثمانينات من القرن الماضي، وهي دون سواها في هذا العالم العربي الخائب، أسست لخيبات "إسرائيل الجديدة"، عبر توازن الردع ومعادلة الرعب، وأسست للبنان جديد: "قوّته في قوّته"، ولو أن فريقاً في لبنان يلزمه التمرين على لفظها.

وما يسري على "إسرائيل الجديدة" يسري حكماً على "جيش الدفاع الإسرائيلي"، الذي بات فعلاً "جيش دفاع" بعد انكفائه من لبنان عام 2000، وبعد هزيمته من لبنان عام 2006، وبعد تنامي قدرات المقاومة وحزب الله في لبنان، خلال السنوات الثماني عشرة الماضية، ولذلك بات من حق "إسرائيل" تسمية جيشها بجيش الدفاع، لأنه لم يعد يملك حرية الهجوم التي يدفع أثمانها من عديده وعتاده ومن أمن مجتمعه، حتى ولو كان العدوان بحجم قطاع غزة المحاصر، حيث الأنفاق أصعب وأعصى من بيوت الصفيح التي هدمها الكيان المجرم على رؤوس المدنيين الأبرياء فوق أرض غزة، وهو أعجز من أن يدخل مواجهات برية رغم الغطاء الجوي الذي دمَّر 80% من القطاع.

نحن غير ضليعين بأسراب "الكاتيوشا" التي أطلقتها المقاومة لإلهاء القبة الحديدية، لكننا قرأنا المزيد عن هذه القبة، وكيف أنها تتراقص دون جدوى، نتيجة الرادارات التي تعزف لها من كل جانب خلال الهجمات الكثيفة، وعَبَرت المُسيَّرات بسلام نحو أهدافها، وكائناً ما كان شكل الكذبة "الإسرائيلية"، فإن بعض الإعلام الصهيوني يعترف، ولو متأخراً، أن جيش الدفاع لم يعد على ما يرام، خصوصاً عندما يرتبط الأمر بالمواجهات البرية، رغم المواكب المؤللة والمصفَّحة المحميَّة بالطيران، والغطاء المدفعي من مختلف القاذفات والبوارج.

قد يقول قائل إن عملية "الأربعين" صادفت مع انعقاد مفاوضات وقف إطلاق النار في القاهرة، وقد تكون عنصراً ضاغطاً على "إسرائيل"، لكن وقف النار في غزة لا يعني السلام والوئام إلى الأبد مع هكذا عدو، لأن في انتظاره مليوني فلسطيني في عراء غزة، ونحو أربعة ملايين في الضفة الغربية، فماذا هو فاعلٌ بهم في بحثه عن أمنه المفقود؟

ليس هناك ما يُقال عن الأمن المفقود في "إسرائيل"، أكثر مما ورد على ألسُن رؤساء المستوطنات الشمالية، الذين يكررون عبارة "نحن بالنسبة لحكومتنا كما البط في حقل الرماية، هكذا تركنا جيش الدفاع، وهمُّه حماية تل أبيب وحيفا، ومع ذلك لم يستطع منع هجوم حزب الله".

وقال اللواء والرئيس السابق لشعبة العمليات العسكرية في جيش الاحتلال؛ يسرائيل زيف، إنّ "إنجازات الحرب تتأكّل بالتدريج، بسبب الافتقار التام إلى وضوح الأهداف". وأضاف للقناة الثانية عشرة الإسرائيلية:  "الأمين العام لحزب الله فرض حرب استنزاف طويلة الأمد على إسرائيل"، واصفاً ما حدث بأنّ حزب الله "كان يغذي إشعال القش في إسرائيل بصورة أساسية، منذ عام تقريباً، بحيث تتعرض عشرات المستوطنات لقصف مكثف، على نحو أصبح روتيناً منتظماً ويومياً"، وأشار "زيف" إلى أنّ "عمليات الاستهداف هذه، والتي يقابلها صمت من الحكومة الإسرائيلية، هي اعتراف بمحو الردع الإسرائيلي، وهذا إنجاز عظيم بالنسبة إلى حزب الله"، مؤكداً أن "إسرائيل" من الناحية الاستراتيجية، في "حالة تأكّل مستمرة، تؤدي إلى خسارة نقاط أمام حزب الله".

والأمن المفقود الذي ينشده "الإسرائيلي" قد يفقده الى الأبد، ما دام الفلسطيني فاقد لأمنه، وهنا نعود الى حكاية "اليوم التالي"، التي لا يستطيع بنيامين نتانياهو كتابتها، ولا جو بايدن، ولا كمالا هاريس، ولا دونالد ترامب، ولا عرب التطبيع والتطويع والتركيع، ولا جامعة العار التي ما اعتادت في تاريخها أن تكون شريكة النصر ورفع أكاليل الغار.

الداخل "الإسرائيلي" ليس أفضل حالاً من الوضع الفلسطيني، وهذا هو المطلوب، وهذا ما رسمته عملية "طوفان الأقصى"، ولو أن كلفة رسم الطريق المصيرية كانت باهظة، واستهلكت دماء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، لكن يكفي أن المجتمع "الإسرائيلي" قد أغرقه "الطوفان" على كل المستويات، وبُنيته الاجتماعية باتت شراذماً من قبائل، يتقاسمها وزراء على شاكلة بتسئيل سيموترتش، الذي يدعم إقامة المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، وإيتمار بن غفير الذي يحلم ببناء كنيس يهودي في حرم المسجد الأقصى.

ونتساءل: أيُّ يومٍ تالٍ تحلم به حكومة نتانياهو مع هكذا عيِّنة من الوزراء؟ وأيُّ أمنٍ وسط أزمة الشعب الفلسطيني التي افتعلها نتانياهو بغباء؟ وهو على غبائه باقٍ حتى سقوطه، والضفة الغربية أصعب على الكيان الصهيوني من قطاع غزة، نتيجة التداخل الديموغرافي للمدن والبلدات الفلسطينية مع المستوطنات الصهيونية، مما يفرض على حكومة نتانياهو أو أية حكومة "إسرائيلية" أخرى أن ترضخ لحلِّ الدولتين، كائناً ما كانت التسميات، نتيجة استحالة الدمج ضمن دولة واحدة بعد سقوط هذا الكمّ من الشهداء، ومهما تم استحداث مستوطنات، فهي ستكون مقابرَ مستقبلية لكيانٍ مرفوض، وعملية "طوفان الأقصى" ليست الأولى، وعملية "الأربعين " ليست الأخيرة، وما دام الفلسطيني بلا دولة، وما دامت "إسرائيل" تحتل شبراً، فإن هناك طوق ملاييني حول "إسرائيل"، لم يعُد يُطالب بإقامة دولته فحسب، بل قرر أن يتحوَّل إلى النضال المُستدام وإحداث "الطوفان" مدعوماً بمحور مقاومة يُجيد العوم وسط التيارات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل