أقلام الثبات
بعد تسمية الرئيس جو بايدن نائبته كمالا هاريس كبديل عنه في مواجهة الرئيس الأسبق دونالد ترامب، جرت مقابلة تلفزيونية على إحدى الفضائيات العربية، حول المقارنة بين هاريس وترامب بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقال المحلل السياسي الأميركي من أصل عربي؛ محمد أبو صير، من ولاية تكساس: "السياسة الأميركية لن تتغير قبل أن تُمطِر في جهنم"، وأبو صير كان منتسباً للحزب الجمهوري، واستقال على خلفية ما يحصل في غزة، وبات الآن من مؤيدي المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس في مواجهة مَن يعتبره "المجنون ترامب"، و15% من الأميركيين العرب في الولايات المتأرجحة، كتبوا "غزة" على أوراق الاستفتاء لاختيار المرشح الرئاسي.
وحول كفاءة هاريس وخبرتها خلال ولاية بايدن قال أبو صير: "نائب الرئيس في أميركا لا يفعل شيئاً سوى أنه ينتظر موت الرئيس ليصبح رئيساُ"، وكل مهام هاريس خلال ولاية بايدن كانت ضمن السياسة الداخلية، ويبدو أن هاريس بصفتها من الأقليات في أميركا، ستستمر في حال وصولها إلى البيت الأبيض، في التركيز على الأوضاع المعيشية خاصة طبقة الفقراء، وتعزيز الأمن الاجتماعي والضمان الصحي والإسكان لهم، أكثر من اهتمامها بدور أميركا في الهيمنة على الأمن العالمي.
ومع انقسام الشارع الانتخابي الأميركي عادة بين الجمهوريين والديمقراطيين، جاءت كمالا هاريس كما المفاجأة الصادمة لها شخصياً وللناخبين الديمقراطيين، بعد إعلان الرئيس بايدن انسحابه من السباق الرئاسي خلال عطلة أسبوعية، وجاءت إطلالة هاريس الأولى بعد تسميتها، وكأنها تُقدِّم سيرتها الذاتية والBusiness Card للأميركيين، على اعتبار أنهم لا يعرفونها.
ولأن موقف الرئيس بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسي جاء مفاجئاً أيضاً لبنيامين نتانياهو خلال وجوده في الطائرة إلى واشنطن، لم يجد نتانياهو جديداً لدى "الرئيس المُنسحب" سوى إصراره على اقتراحه الذي عُرِف باسمه، "اقتراح بايدن"، لمفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن، إضافة الى تصريح هاريس التي استقبلت نتانياهو بصفتها الخليفة المحتملة لبايدن في البيت الأبيض وقالت: "لن أصمت على ما يحصل في غزة"، واعتبر بعض المراقبين قولها، مجرد استرضاء للجاليات العربية في أميركا على أبواب الإنتخابات، خاصة أن مواقفها في مجلس الشيوخ تشهد، بأنها كانت دائماً مع أمن "إسرائيل"، لا بل أنها تعتبر "إسرائيل" دولة ديمقراطية للأقليات وسط أنظمة ديكتاتورية في الشرق الأوسط.
وإذ يعتبر البعض، أن لا تغييرات في السياسة الخارجية الأميركية في حال فوز كمالا هاريس، سوى أنها تنظر لإيران أنها دولة يمكن حل المشاكل معها بالطرق الدبلوماسية بدل الدخول في حربٍ معها، وأدانت قتل القائد الإيراني قاسم سليماني، كما كانت لديها مواقف بضرورة وقف تزويد المملكة السعودية بالأسلحة قبل وقف حربها على اليمن، وسياستها باختصار ستكون أقرب الى الرئيس الأسبق باراك أوباما وقريبة بعض الشيء من سياسة بايدن.
لكن تحت عنوان "أمن إسرائيل"، لا متغيرات جدية مرتقبة من هاريس في حال وصولها الى البيت الأبيض، والدعم للكيان "الإسرائيلي" باقٍ كما هو عليه، لكن هاريس بالنسبة للأميركيين المتعاطفين مع غزة، تبقى أفضل من ترامب وأقل شراً منه، وأقل صخباً، خاصة لجهة مواقفه التصعيدية مع إيران خاصة في الملف النووي، وحقده على المقاومة الفلسطينية وعلى حماس تحديداً بعد عملية "7 أكتوبر".
المُلفت في مفاجأة وصول كمالا هاريس الى السباق الرئاسي، أن الرئيس بايدن كانت قد انحدرت نسبة التأييد له بين الناخبين، وبلغ فارق النقاط أكثر من 10% لصالح ترامب بعد المناظرة الأولى بينهما، وحصل تململ في أوساط الممولين للحزب الديمقراطي من الاستمرار بترشيح بايدن، مما دفعه للانسحاب وتزكية هاريس، وارتفعت أسهم هاريس بطريقة ملفتة، بحيث استعادت فارق النقاط مع ترامب، وتخطته مؤخراً بنقطتين، رغم عدم حصول مناظرة بينهما حتى الآن، وهي مقررة في شهر سبتمبر المقبل، وتليها مناظرة ثانية في أكتوبر، مع توقُّع أرجحية لها، كونها مُتفوِّقة على خصمها في المستوى العلمي، ولو أنه يتفوَّق عليها بخبراته التي اكتسبها من سوق رجال الأعمال الناجحين.
وبما أن واقع الحال، أن العدوان على غزة قد حرَّك الشارع الأميركي أكثر من سواه، من انتفاضة الجامعات، الى التظاهرات المتكررة المُطالبة بوقف العدوان، فإن المواقف العربية من الانتخابات الأميركية القادمة، ستكون أقرب إلى كمالا هاريس في الدول الرافضة للتطبيع مع "إسرائيل"، وقد تكون هذه المواقف مؤيدة لترامب في دول التطبيع، لأن بعضها تتمنى هزيمة حماس والمقاومة الفلسطينية ولكن، أمن "إسرائيل" قد انتهى وإلى الأبد، وكل عنتريات ترامب ووعوده بالقضاء على حماس هي من قبيل "أفلام الكاوبوي"، لأن هيبة "إسرائيل" قد كُسِرت، و"جيش الدفاع الإسرائيلي" قد غرِق في رمال غزة وبين ركامها، والمدمرات والبوارج التي يهدد بها ترامب حركة حماس، لن تستطيع فعل ما عجزت عنه مدمرات وبوارج بايدن، وسبعة ملايين فلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة لا حل معهم سوى إقامة دولةٍ لهم، والشهداء الذين ناهزوا الأربعين ألفاً هم بأرواحهم سيكونون أول "المقترعين" في الانتخابات الأميركية، وأوراق اقتراعهم تحمل عبارة: "أمن إسرائيل قد انتهى".