أقلام الثبات
جزئية بسيطة نسردها حول حدث سياسي حزبي حصل مؤخراً، للدلالة على الدور المُشين لما اتُّفق على تسميته "الإعلام الأصفر" في لبنان، حيث وقف النائب جبران باسيل بين العونيين ومناصري التيار الوطني الحر منذ أيام لتأدية ما يشبه قسم اليمين، وإعلان التزامه بلبنان الكبير السيد الحر المستقل، وبنهج الرئيس العماد ميشال عون، الذي ما ارتضى فرض القَسَم على المنتسبين للتيار الوطني الحر، كي يكونوا أحراراً في الالتزام أو الانفصال، بدل أن يتعايشوا بانفصام؛ كما حصل مع النواب الثلاثة الذين فُصلوا أو استقالوا من التيار.
خطوة باسيل بدت وكأنها واجبة الوجوب، كي لا يُترك للحاقدين من السياسيين وللإعلام المشبوه حرية إظهار الصورة كما يريدون، وهكذا إعلام لم يعد يقتصر على الوسائل التقليدية المكتوبة والمسموعة والمرئية، لأن مواقع التواصل الاجتماعي الفالتة على غاربها باتت هي المشكلة والمعضلة في عالم "الإعلام الأصفر"، رغم قدرة الكثير من المواقع اللبنانية الوطنية على المواجهة بالحقائق.
ونؤكد ونعترف أن "الإعلام الأصفر" - تحت ذريعة حرية الرأي في لبنان - قد دمَّر ويُدمِّر لبنان، لا بل ليس هناك بلد في العالم بوقاحة جماعات "الإعلام الأصفر" عندنا، خصوصاً بعد قيام تلك التي عُرفت بثورة 17 تشرين، وهم يدركون أننا ندرك أنهم يكتبون ويتكلمون بموجب سند قبض، سواء من سفارة أو موفد أو عبر التحويلات، وبعض وسائل الإعلام لا تخجل بالمجاهرة أنها تابعة، وعندما يصل مصير بلد إلى بيعه على بسطات المزادات، في غياب الملاحقات القانونية ووسط "كوما" القضاء، فإن التعويل يصبح على عاتق المواطن الرافض لجرعات السموم، والقادر على مقاطعتها، لأن لا مجال للتقاطع معها عند أي استحقاق، وأجدى باللبنانيين مقاطعة السلع الإعلامية الفتنوية قبل الدخول في سجالات حول مقاطعة شركات مثل "ماكدونالدز" أو "ستار باكس".
لبنان بمواجهة عدوان حقيقي، أقسى من العامين 2000 و2006، لأن الوضع يرتبط بكامل محور المقاومة، وديكتاتورية الجغرافيا تفرض نفسها على واقع هذا البلد، وسواء كانت شريحة من اللبنانيين مؤمنة بضرورة إسناد غزة عبر المقاومة من لبنان، أو أخرى ترى في العدو الصهيوني محتلاً لأراضٍ لبنانية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فإن ما يجمع الشريحتين، أن "الإسرائيلي" مجرم لا يشبهه أحد، ومشهديات ضحايا القتل والتدمير والتهجير على مدى عشرة أشهر، في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوبي لبنان، كافية لتظهير الطبيعة الصهيونية التي يستحيل التعايش مع جيرتها المقيتة، ولبنان أخبر من سواه بأطماع هذا العدو وأحلامه.
مشكلتنا مع "الإعلام الأصفر" في لبنان، أنه يضمُّ فئاتٍ أربع: الأغبياء، والدخلاء، والعملاء، والقابلين للبيع والشراء.
أما الأغبياء، فهم يقرأون القشور من الأزمات، ويعتقدون أنهم وحدهم مَن يحبون الحياة، وسواهم يعشق الموت وإقامة الجنازات، وحدود الأغبياء هي المنطقة التي فيها يعيشون ومنها يعتاشون، لا بل هي حصراً الوطن، كل الوطن، وأنهم في مأمن بوجود قرارات دولية تحميهم، فيما هذه القرارات بعضٌ من حبرٍ على بعضٍ من ورق، لا قيمة لها شكلاً ومضموناً، والطروحات الفيدرالية والتقسيمية الوهمية تمنح البعض منهم نشوة النصر الآتي ولو من سراب.
والدخلاء هم جماعة التنظير عن بُعد، سواء كانوا سياسيين يختبئون في جحورٍ أو قصور - لأسباب أمنية - لا يرون في حدود الوطن أبعد من حدود مملكتهم القائمة على عظام ودماء وعرق المغتابين والأغبياء، أو كانوا إعلاميين أتباعاً بمحطاتهم ومواقعهم وأقلامهم.
أما العملاء فإنهم يتناسلون ويتناسخون من استحقاق وطني إلى آخر، وهم أنفسهم لا يتبدلون منذ العامين 2000 و2006 ووصولاً إلى يومنا هذا، ورهانهم الدائم على هزيمة لبنان وتحديداً المقاومة في لبنان، ويلعبون أدواراً تتخطى السياسة وتتخطى الإعلام وتصحُّ تسميتهم "صبيان الاستخبارات".
وإننا إذ ننتهي إلى فئة القابلين للبيع والشراء، فإننا بلغنا الطبقة الرمادية التي "تدخل مع أم العريس وتخرج مع أم العروس"، و"في كل عرس لها قرص" ولها الحصة الوافرة من "التحلاية"، وكل هذه الفئات التي ذكرنا يجمعها القاسم المشترك في عدم الرؤية، والعجز عن إيقاف سرد التاريخ أو تبديل نقطة من خارطة الجغرافيا التي ترتسم.
ولو كان "الإعلام الأصفر" هذا معنياً بالجغرافيا اللبنانية السيادية، فإن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع هي أرض لبنانية محتلة، وترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني لا يعني انتهاء الصراع معه على الحقوق اللبنانية، سواء كانت بحرية أو برية، ومَن يتشدقون بوجوب تطبيق القرار 1701 من جانب لبنان، يتناسون كل ما ورد أعلاه من حقوق لبنانية، وكأن سماء لبنان مُباحة لآلاف الطلعات الصهيونية منذ العام 2006، ومياه لبنان البحرية والنهرية سائبة لعدو وهو شريك فيها ولكن، في الوقت الذي ترتعد فيه فرائص المجتمع "الإسرائيلي" الآن، من أية مواجهة مع حزب الله والمقاومة، ومعارك متوقعة داخل الجليل، ما زال بعض "الإعلام الأصفر" في لبنان يتوهَّم، أن دبابة صهيونية واحدة تجرؤ على ملامسة الخط الأزرق نحو لبنان.