أقلام الثبات
بدأت القوات الجوية الأوكرانية هجومًا مفاجئًا بقوات محدودة في منطقة كورسك في الداخل الروسي، حيث كانت الحدود محمية بشكل ضعيف للغاية من قبل حرس الحدود الروس بشكل أساسي، ثم بدأت التعزيزات الروسية في الوصول إلى مكان الحادث، وأقاموا خط جبهة جديد، واستعادوا غالبية الأراضي التي سيطر عليها الأوكرانيون في الداخل الروسي.
عادةً ما تكون القوات الروسية بعيدة عن خط الحدود مع أوكرانيا ومشتتة نوعاً ما، وذلك لكي لا تصبح هدفاً للصواريخ الأوكرانية متوسطة المدى التي حصلت من الغرب. وكان الألمان قد سمحوا علناً للقوات الأوكرانية باستخدام أسلحتهم في الداخل الروسي، بذريعة أن تلك الأسلحة "باتت أوكرانية" ويمكنهم استخدامها كما يجب.
1- المفارقة التاريخية:
تعتبر معركة كورسك (1943) من المعارك التي حددت مسار ونتائج الحرب العالمية الثانية، وشهدت وقوع أكبر معركة دبابات في التاريخ.
بحلول شتاء العام 1943، تحوّلت الحرب بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي الى حرب استنزاف للطرفين بدون نتائج تذكر. أراد هتلر اثبات قدرة الألمان على الانتصار بالحرب، فأراد من مهاجمة كورسك اقناع حلفائه بمكانة وقدرات ألمانيا، كما أراد ارسال رسالة الى أعدائه من الحلفاء الى امتلاك ألمانيا القدرة على قلب الأمور لصالح المانيا والانتصار.
وهكذا، حشدت ألمانيا قواتها وهاجمت كورسك وحققت تقدماً ملحوظاً في البداية، لكن الجيش السوفياتي واجه بشراسة بالرغم من تكبده لخسائر فادحة، ونجح في صد التقدم الألماني وهزم الألمان هزيمة كبرى في معركة كورسك التي اعتبرت آخر عملية هجومية كبرى تشنها قوات هتلر على الجبهة الشرقية.
وهكذا، نجد أن التاريخ يكرر نفسه في روسيا، ويبدو أن الاهداف التي اراد هتلر تحقيقها هي نفسها التي اراد حلف الناتو تحقيقها عبر أوكرانيا، علماً أن الأوكران هذه المرة أرادوا أن يتفادوا خطأ هتلر بفقدان عنصر المباغتة عبر التأخر بالهجوم من أجل التحشيد، فقاموا بالهجوم بما تيسر من مقاتلين على تلك الجبهة، واستمروا بالقتال على الجبهة الجنوبية بدون نقل جنود من جبهة الى أخرى؛ وهو ما قام به هتلر.
2- الأهداف التي يريد الناتو تحقيقها:
- كسب معركة اعلامية:
تحتاج أوكرانيا ومعها دول الناتو تحتاج الى صورة انتصار تسمح لهم بتبرير استمرار الحرب بعد فترة طويلة من التقدم الروسي البطيء، ولكن الثابت في الاراضي الاوكرانية.
بالرغم من عودة الروس الى السيطرة على الجبهة بشكل كبير لاحقاً، إلا أن الأوكران ومعهم الغرب استطاعوا أن يكسبوا معركة الاعلام في هذه الايام القليلة، وباتت الوسائل الاعلامية الغربية تتحدث عن "اختراق للحدود الروسية" و "انتصار أوكراني عبر ادعاء زيلينسكي أنه نقل المعركة الى الداخل الروسي".
- الانتخابات الأميركية
يخشى حلف الناتو أن ينتصر المرشح الأميركي دونالد ترامب على غريمته كامالا هاريس، وبالتالي يكون هناك توجه أميركي للانتهاء من تلك الحرب والتوجه الى مفاوضات سلام. وعليه، يريدون من القوات الأوكرانية السيطرة على بعض الأراضي الروسية أو حتى محطة الطاقة النووية في كورسك للمساومة عليها لاحقاً لأخذ تنازلات من الروس لاحقاً.
- الضغط على بوتين في الداخل:
يعتقد الأوروبيون والأميركيون أن الضغط على جبهة جديدة في الداخل الروسي سوف تدفع بوتين الى محاولة التجنيد في الداخل مما سيؤدي الى الضغط الداخلي عليه بسبب رفض الروس لانخراط ابنائهم في المعارك الدائرة. علماً أن مهاجمة الاراضي الروسية تحديداً، قد تعطي دافعاً للمواطنين للدفاع عن بلادهم، وهو أمر مختلف عن القتال في أراضٍ كانت روسية تاريخياً ولكنها باتت ضمن السيادة الأوكرانية خلال القرن العشرين.