أقلام الثبات
تعمل حالة التصعيد العسكري والسياسي الجارية في المنطقة، في غير صالح التوجهات الداعية لاعتماد "خيار ثالث" في انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية؛ وتثبت منطق التمسك بترشيح الوزير الأسبق سليمان فرنجية، باعتباره خياراً لا رجوع عنه لكل من يعمل على منع استكمال الهيمنة الأميركية على لبنان، باعتبار أن النفوذ الأميركي يمسك بكثير من تفاصيل السلطة والحكم في لبنان، ويعمل على استكمال هيمنته وإزاحة كل من ينازعه، من ضمن منطق التفرد في "قيادة العالم" وحصر النفوذ في المنطقة العربية والجوار، بأيدي الولايات المتحدة الأميركية والغرب التابع لها، اعتماداً على قاعدتهم المتقدمة في المنطقة "إسرائيل"، ومعها أنظمة وحكومات عربية كشفت آخر أوراق التوت عن عوراتها عندما شاركت في الدفاع عن كيان العدو "الإسرائيلي" خلال الرد العسكري الإيراني على "إسرائيل" مؤخراً.
ما تشهده المنطقة ولبنان هذه الأيام هو عملية تثبيت مواقع، ثمنها دماء ودمار ومواجهات وحروب، لرد الهجمة الأميركية والغربية والصهيونية الهادفة إلى استكمال سيطرتهم الكاملة على المنطقة العربية ومقدراتها، بعدما تكفلت مؤامرة "الربيع العربي" بإزاحة عدد من الأنظمة العربية، وإضعاف عدد آخر، وبالتالي فإن "الكباش" الجاري في لبنان حول شخص رئيس الجمهورية العتيد، هو بالتحديد معركة لضرب المقاومة وإزالة وجودها، حسب ظن الأميركي واداته "الإسرائيلي"، ومعهم "عرب أميركا" من أنظمة التطبيع والخيانة.
وتدرك القوى التي تتمسك بترشيح فرنجية، باعتباره شخصية لبنانية تؤمن بالمقاومة ودورها، كما يدرك فرنجية نفسه، أن معركة الرئاسة اليوم تشبه في كثير من تفاصيلها معركة "الحلف الثلاثي" الانعزالي التي جرت عام 1970، لإزاحة الشهابية و"النهج الشهابي" من السلطة في لبنان، باعتبارها مدخلاً لفتح أبواب البلاد أمام الفتنة التي أشعلها ذلك الحلف المتطرف في يمينيته وعنصريته، تحت شعار "حرب تحرير لبنان من الغرباء"، التي تحدث عنها بلسانه القائد العسكري لأحزاب ذلك الحلف وقادها؛ بشير الجميل، كطريق من النار والقتل والدماء، ليصل بعدها إلى موقع رئاسة الجمهورية على ظهر دبابة "إسرائيلية"، لكن أيدي المقاومين اللبنانيين كانت سباقة، فأردته ومنعته من تحقيق مشروعه، على الرغم من الاجتياح "الإسرائيلي" حينها لمعظم مناطق لبنان، ثم تدخل القوات الأميركية ومعها القوات المتعددة الجنسيات، التي سرعان ما فرت هاربة تحت ضربات الاستشهاديين الأبطال.
في تلك المرحلة، أدرك قادة "الحلف الثلاثي" - المؤلف من أحزاب "الكتائب" و"الوطنيون الأحرار" و"الكتلة الوطنية" - أن إيصال مرشح منهم إلى قصر بعبدا أمر فوق طاقتهم، فلعبوا ورقة المرشح الثالث، أي مرشح كتلة المستقلين سليمان فرنجية "الجد"، بعدما رشح الحاكمون، أي جماعة النهج الشهابي، حاكم مصرف لبنان الأسبق الياس سركيس، الذي انتخب في مرحلة لاحقة رئيساً.
نجح الحلف الثلاثي في لعبته، فكان إيصال الرئيس فرنجية (الوسطي) إلى سدة الرئاسة، بفارق صوت واحد، وسيلة لإزاحة الشهابية عن سدة الحكم، إلى غير رجعة، خصوصاً أنها كانت قابضة على حكم البلد من خلال مخابرات الجيش، المسماة "الشعبة الثانية"، وجرت مطاردة قادة ذلك الجهاز الأمني، الذين فر معظمهم إلى خارج لبنان وخصوصاً إلى العاصمة السورية دمشق، وخلت الساحة لميليشيات حزبي "الكتائب" و"الأحرار" لتشعل نار الفتنة المعروفة، من خلال مجزرة بوسطة عين الرمانة، في 13 نيسان 1975، والتي اكلت بنيرانها الحجر والبشر والشجر، وهجرت قسماً كبيراً من اللبنانيين من اماكن سكنهم، وكان كل ذلك مقدمة لاجتياح "إسرائيلي" للبنان جرى عام 1982، تمكن من طرد قوات المقاومة الفلسطينية من لبنان، وفرض انتخاب بشير الجميل رئيساً، وكان ذلك شعلة نار لم يسلم منها أحد في لبنان، ولم يخفت وهج حريقها إلا بعقد اتفاق الطائف عام 1992، الذي لم تنفذ معظم بنوده حتى الساعة.
وهذه الأيام، يعمل احفاد وأتباع قادة ميليشيات "الحلف الثلاثي" ذاته، على ذات المشروع؛ يريدون منع وصول المرشح الذي ترتاح إليه المقاومة، مقدمة لإيصال مرشح يأتمر بأمر أميركا وادواتها، فيزيل الغطاء الرسمي عن المقاومة؛ ويدفع البلاد نحو حرب أهلية تضعف المقاومة وتحاصرها، فيأتي دور العدو "الإسرائيلي"، مدعوماً بأساطيل أميركا والغرب؛ وبتواطؤ انظمة التطبيع، لضرب أقوى طرف في المقاومة العربية والإسلامية ضد الغزوة الصهيونية والغربية، اي حزب الله، لكن هذا الحلم هو كابوس لتلك القوى، فحين كان جماعة أميركا في اقوى قوتهم، فشلوا في مرادهم، فكيف الحال والمقاومة في عز قوتها؛ وهي تستند اليوم إلى حليف قوي في إيران؟ وبالتالي ما على تلك القوى غير القبول بالمرشح الداعم للمقاومة، أما الحديث عن خيار ثالث فهو خدعة خبيثة لن تمر على أحد.
الخيار الثالث للرئاسة انتصار أميركي ــ عدنان الساحلي
الجمعة 02 آب , 2024 11:27 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة