أقلام الثبات
حقًا، إن عودة العلاقات الأوروبية مع سورية، بدأت تسلك مسارها الطبيعي والسليم، فهاهي إيطاليا كواحدة من أبرز دول الاتحاد الأوروبي وإحدى الدول الصناعية السبع الكبرى، أضحت في طليعة العائدات إلى دمشق، بعدما أعلنت روما تعيين سفير لها في العاصمة السورية، بعد انقطاع في العلاقات الدبلوماسية دام نحو عقدٍ وتيفٍ، إثر بدء الحرب الكونية على سورية.
وسبق هذا التطور، أن بعثت ثماني دولٍ أوروبيةٍ، هي: النمسا وجمهورية التشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل قبيل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الذي عقد في الأيام الأخيرة، وطالبت فيها بإعادة النظر في العلاقات مع سورية.
وجاء ذلك بعد عودة العلاقات العربية مع سورية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ثم إعلان أنقرة عزمها على إعادة العلاقة مع دمشق، المتمسكة من جهتها، بهذه الثوابت الأربع الأساسية في إقامة أي علاقةٍ مع أي دولةٍ، سواء أكانت عربية أو أوروبية أو غير ذلك، وأبرز هذه الثوابت، هي:
أولًا: لا تواصل أمني بين سورية مع أي دولةٍ، قبل إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية بينهما.
ثانيًا: التراجع العلني عن المخطط الفاشل الرامي إلى محاولة إسقاط الدولة السورية.
ثالثًا: التخلي عن دعم المجموعات الإرهابية المسلحة ورعايتها، والتي سعت وتسعى إلى تقويض الاستقرار السوري.
رابعًا: احترام سيادة الدولة السورية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية؛ بما نص عليه القانون الدولي.
إذًا، بالنسبة للقيادة السورية، ما ينطبق على الدولة العربية ينطبق أيضًا على الدول الأوروبية؛ لجهة إعادة العلاقات الدبلوماسية.
ولاريب أن تمسك دمشق بهذه الثوابت فيه مصلحة أوروبية - عربية - سورية مشتركة، خصوصًا لناحية رفع الغطاء الأمني والسياسي عن التنظيمات التكفيرية المتشددة، والكف عن إيوائها وتأمين الدعم المالي لها، لأن ذلك أشبه بمن "يخبئ عقرب في ثوبه، فسيلسعه عاجًلًا أم آجلًا، إذا إن فتح الباب التعاون الأمني بين سورية والدول الأوروبية يسهم في حماية هذه الدول من خطر الإرهاب، لذا فإن إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما تصب في مصلحة الأمن القومي الأوروبي أولًا، وتسهم في دحض الخطر الأمني عن الدول الغربية، ويحد من خطر الإرهاب عليها".
أضف إلى ذلك، هناك مصلحة اقتصادية أوروبية - سورية مشتركة جراء تفعيل العلاقات بين العواصم الأوروبية ودمشق، كونها تفتح باب التنسيق بينهم لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، فإن ذلك يؤدي إلى تخفيف أعباء النزوح عن تلك العواصم، كذلك تستعيد سورية في الوقت عينه ثورتها البشرية، والتي خسرت جزءًا كبيرًا منها بفعل الحرب الكونية التي شنت على البلاد السورية، بشقيها الحربي -الإرهابي والاقتصادي، لذا صار لزامًا على الدول التي أسهمت في هذه الحرب وتسعى راهنًا إلى إعادة العلاقات مع دمشق، وضع الأصبع على المكامن الحقيقية للأزمة السورية التي أدت الهجرة غير الشرعية نحو القارة الأوروبية، من خلال رفع الحصار الاقتصادي الجائر عن الشعب السوري.
ومن الناحية الاستراتيجية في المنطقة، فإن تغييب المحور الغربي للدور السوري فيها، أسهم في إرباك المشهد السياسي، وانعكس ذلك على الواقع الميداني في هذه المنطقة، وظهر هذا الأمر جليًا خلال الحرب الصهيونية على غزة، فلا ريب أن هذا التغييب أدى إلى تغييب دور دول محورية في المنطقة (أي سورية)، التي كان لها مروحة علاقات واسعة بين الشرق والغرب، خصوصًا لما لها من دورٍ فاعلٍ في محور المقاومة، لذا فإن عودة دور دمشق إلى هذه المنطقة يساعد على تدوير الزوايا بين الأطراف المؤثرة فيها، بالتالي يسهم في الحد من الأزمات فيها.