فلسطين والمقاومة... وعرب أميركا ــ عدنان الساحلي

الجمعة 26 تموز , 2024 12:39 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يطرح مرور ذكرى ثورة 23 تموز لعام 1952، التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، أسئلة محورية حول مواقف الأنظمة العربية، وحتى حول بعض قواها الشعبية؛ من ملاحم البطولة والصمود التي يسطرها الشعب الفلسطيني ومقاومته، في غزة والضفة الغربية، إثر عملية طوفان الأقصى، التي مضى عليها عشرة أشهر ولم ينجح الرد "الإسرائيلي" في محو آثارها بعد.
كما يشكل الاستقبال "العاطفي" الجارف من قبل اعضاء الكونغرس الأميركي، لمجرم الحرب رئيس وزراء كيان العدو "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو؛ الوجه الآخر لمواقف معظم الأنظمة والقوى العربية، التي طالما ركزت رهانها على علاقاتها مع الإدارات الأميركية الحاكمة.
ويطغى على هذا الواقع برمته، مشهد الصمت العربي المخزي بل والجبان تجاه الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، في حين أن هذا الصمت يصبح صياحاً عندما يتهجم على قوى المقاومة، خصوصاً في فلسطين ولبنان، التي لم تجد لها نصيراً وداعماً غير النظام الإسلامي في إيران.  
ولو جمعنا هذه المشاهد لوجدنا أن كل منها ينقض الآخر ويفسر حقيقة ما يعانيه العرب في أوطانهم، من الأنظمة التي تكبت انفاسهم وتزور مشاعرهم وتبيع وتشتري بأوطانهم وتتصرف بثرواتهم.
كانت الأنظمة العربية، وكل من يدور في الفلك الأميركي والغربي من العرب، يعتبرون أن وجود جمال عبد الناصر والشعارت الثورية و"الراديكالية" التي رفعها هي السبب في الموقف الأميركي المعادي للعرب والداعم للكيان "الإسرائيلي"، الذي أنشأه الغرب فوق أرض فلسطين وعلى حساب شعبها، وها هو أكثر من نصف قرن قد مر على رحيل جمال عبد الناصر؛ وعلى غياب تلك الثورة عن أرض الكنانة، بعد أن تخلي من تولى الحكم بعد عبد الناصر عن كل شعاراته وانجازاته، فتخلوا عن دور مصر العربي وتبرأوا من شعارات الحرية والتحرر ودعم الثورات. وأسقطوا فلسطين وقضيتها من حساباتهم، بعد أن عقدوا اتفاقية "كمب ديفيد" مع الغزاة التلموديين، وأصبحوا "وسطاء" بين هؤلاء الغزاة وبين أصحاب الأرض الفلسطينيين المقاومين.
كانت المملكة السعودية تقود الأنظمة والقوى التي ناوأت مصر عبد الناصر؛ ورفضت خياراتها الثورية والتحررية والاشتراكية والوحدوية، وكانت تقود رهاناً يقول بأن صداقة أميركا كفيلة بحماية المصالح العربية؛ وكفيلة بفك العلاقة الوطيدة بين أميركا والكيان الصهيوني، وها هي السعودية ومن يسير في ركابها، بغياب عبد الناصر ودور مصر، تقود العرب في عملية "التطبيع" مع المحتل "الإسرائيلي" وتلتزم بكل الإملاءات الأميركية، خصوصاً تلك المتعلقة بالموقف من "إسرائيل" والقوى التي تقاوم عدوانيتها، فلم تحقق السعودية وغيرها من "عرب أميركا" تحريراً لفلسطين، ولم يحققوا وحدة عربية مرتجاة؛ ولا أقاموا عدالة اجتماعية ينصفون بها شعوبهم؛ ولا حموا ثروات بلدانهم من عمليات النهب التي تقوم بها الدول الغربية وشركاتها، والأهم، أن "عرب أميركا" طالما دعوا للقبول بقرار تقسيم فلسطين واقامة دولة فلسطينية تجاور الكيان "الإسرائيلي"، فاين أصبحت هذه الدولة وأين الضغط الذي يمارسه "عرب اميركا" لإعادة الشعب الفلسطيني المشرد إلى وطنه؟ بل أين مواقفهم الجادة تجاه عملية الإبادة التي ينفذها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، بدعم أميركي وغربي مباشرين؟
والأدهى، أن من خلف عبد الناصر في قيادة مصر، باع القطاع العام، الذي كان مشروعاً واعداً في التصنيع الثقيل، لتحقيق الرخاء لشعب مصر؛ ولتحقيق حلم الاستقلال الاقتصادي والسياسي عن الدول الكبرى وللتعامل الندي معها. ووصل الأمر للتراجع عن مبدأ أن العلم حق للجميع، إذ تتم العودة إلى زمن كان العلم فيه للأثرياء، بل لا يتورع البعض عن رجم الإصلاح الزراعي ويشكك بإنجازات تاريخية، مثل اقامة السد العالي وتأميم قناة السويس؛ وصولاً إلى الترحم على النظام الملكي، الذي كان غريباً عن مصر وشعبها؛ ومن بقايا صراعات زمن الحكم العثماني.
وما يقال عن مصر يمكن تكراره عن معظم الدول العربية، فها هي القواعد العسكرية الأميركية والغربية، ما زالت تنتشر وتتوسع فوق الأرض العربية، من المحيط إلى الخليج؛ ومن العراق وشمالي سورية، إلى الأردن وإلى حامات في شمال لبنان. واليوم العرب عربان، مثلما كانوا طوال تاريخهم، رغم اختلاف التسميات: "عرب أميركا" من جهة؛ و"عرب المقاومة" من جهة ثانية. ولولا عرب المقاومة الذين يسميهم البعض "محور الممانعة"؛ لكان الوطن العربي كله "من الماء إلى الماء"، مجرد مستعمرة صهيونية تتعبد باليهودية تحت ستار "الإبراهيمية".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل