أقلام الثبات
استطلاعات الرأي الانتخابية أثبتت عقب محاولة اغتيال الرئيس السابق؛ المرشح دونالد ترامب، أن الرصاصة التي أخطأت الهدف القاتل وجرحت الأذُن، انتهت في صناديق الاقتراع ناخباً مُبكراً لصالح ترامب، ورفعت نسبة الواثقين من فوزه على الرئيس الحالي جو بايدن إلى 69% في انتخابات شهر نوفمبر المقبل.
وبصرف النظر عن الاتهامات التي هي أقرب إلى الترجيحات والتكهنات والاستنتاجات، حول الجهة التي تقف وراء محاولة الاغتيال، فإن بعضها منطقي، لأن الرئيس ترامب مكروه داخلياً لدى شرائح كثيرة، ليس فقط من الحزب الديمقراطي، ولا فقط من المهاجرين والأقليات، بل من كل الذين ينظرون إلى غطرسته وكأنه هو الذي صنع مجد أميركا.
والرئيس ترامب مكروه خارجياً، من الصين وروسيا ومعظم دول حلف الناتو، ومن إيران وغالبية دول الشرق الأوسط أيضاً، لذلك من الصعب توجيه الاتهام العشوائي، خصوصاً أن من ارتكب محاولة الاغتيال، بادرت شرطة الحماية السرية إلى قتله بدل اعتقاله، ولم تعثُر في أيٍّ من حساباته الرقمية على أية معلومة تتصل بهذه الواقعة، لكن وإن كانت محاولة قتل ترامب ليست الأولى في التاريخ الأميركي، لكنها أبلغ وقعاً من سواها، لأن ترامب من الداعمين لتسليح الأميركيين بغرض الدفاع عن النفس؛ في عودة منه إلى إحياء زمن قتل الهنود الحمر أهل البلد الأصليين، وعودة إلى تراث الغرب الأميركي وحُكم الCow Boys، وحتى البندقية التي تم قنصه بها، تبيَّن أنها قانونية ومرخَّصة باسم والد القاتل.
على أية حال، الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي حصلت في أميركا لغاية الآن، لرؤساء ومرشحين بلغ عددهم عشرة من أصل 46 رئيساً في تاريخ الولايات المتحدة، بصرف النظر إذا حصلت في زمن الأسلحة المرخصة أو غير المرخصة، فإن كل رئيس أو مرشح اغتيل أو حاولوا اغتياله، له حكايته مع مَن استهدفوه، سواء كانوا خصوماً من الداخل الأميركي أو من خارجه، مع اختلاف الظروف السياسية الداخلية، والعمليات المتكررة منذ اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن عام 1856 في العاصمة واشنطن، حتى محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب منذ أيام في ولاية بنسلفانيا.
عمليات الاغتيال بعد مقتل الرئيس لنكولن أودت بحياة الرؤساء: جيمس غارفيلد عام 1881، ووليام ماكنلي عام 1901، وجون كنيدي عام 1963.
وإذا كانت أربع عمليات قد نجحت في اغتيال أربعة رؤساء، فإن عدة محاولات اغتيال قد فشلت أو تمّ التصدي لها وهي التالية:
جيمي كارتر عام 1979، ورونالد ريغان عام 1981، وبل كلينتون تعرض لثلاث محاولات اغتيال كانت آخرها عام 1994، وجورج بوش الابن عامي 2001 و 2006، وباراك أوباما خلال حملته الانتخابية عام 2008، وعام 2013 عبر رسالة تحمل سُمّ "الرِّيسين"، وانتهاءً بدونالد ترامب خلال حملته الحالية الانتخابات 2024.
اللافت في سيرة الرؤساء الأميركيين، سواء الذين قُتِلوا أو الذين نجوا من الاغتيال، أن أحداً منهم لم يكن مثيراً للجدل في الداخل الأميركي أكثر من دونالد ترامب، وما من رئيس استعرض قواه في الشارع وهدد الخصم بمناصريه أكثر من ترامب، لدرجة أنه دفع بهم في 6 يناير 2021 لاقتحام مبنى الكابيتول؛ في محاولة منه لقلب نتائج الانتخابات النيابية لصالحه، بعد شهرين من إعلان فوز خصمه الرئيس الحالي جو بايدن، وحصلت فوضى عارمة يومذاك، أدت إلى عمليات إخلاء وإغلاق لمبنى الكابيتول، وتعطيل جلسة مشتركة للكونغرس لفرز الأصوات الانتخابية، وإضفاء الطابع الرسمي على فوز جو بايدن الانتخابي عام 2020.
وإذا كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية ومن خلفها السلطات القضائية، تدَّعي القدرة على كشف الجهة التي حاولت اغتيال ترامب، فإن الشيء بالشيء يُذكر، حيث بعد أكثر من 60 عاماً على مقتل جون كنيدي، ما زال يُعتبر هذا الحادث من أكثر الاغتيالات جدلاً في التّاريخ، وعلى الرّغم من مُضيّ هذه المدة الطويلة، لا تزال نظريّات المُؤامرة تحوم حول طبيعة العمليّة، التي قال الرّئيس دونالد ترامب أخيراً إنّه سيرفع السّرّية عن ملفّها في حال وصوله إلى البيت الأبيض مُجدّداً، بما يعني أنه على أحفاد ترامب أن ينتظروا نحو 60 عاماً كي تتكشف لهم ربما بعض الحقيقة حول محاولة اغتياله.
فترة "ولايات ترامب" التي بدأت في الولايات المتحدة عام 2016، ولم تتوقف خلال ولاية بايدن من مطلع العام 2021 حتى انتخابات نوفمبر 2024 القادم، ها هي معارك ترامب الشخصية مستمرة، مع القضاء ومع الإعلام ومع الرافضين لسياساته، تحت طائلة وقوع حرب أهلية في حال عدم فوزه، وهذا ما أعلنته شخصيات رفيعة من الجمهوريين، وكذلك من الديمقراطيين والمحايدين، ومنابر وسائل الإعلام الكبرى، كون ترامب أسس خلال صولاته وجولاته الانتخابية، للغة عنف في الشارع الأميركي المدجج بالأسلحة، وذلك تحت عنوان براغماتي كلامي، يدَّعي القدرة على إعادة مجد الأمة الأميركية العظيمة التي أضعفها أداء بايدن.
ومن سخرية القدر، أن الرصاصة التي أخطأت ترامب جزئياً قد أصابت بايدن كلياً، وإذا كان الحزب الديمقراطي قد انقسم على نفسه بعد المناظرة الكارثية للرئيس بايدن أمام ترامب، فإن أطرافاً رفيعة المستوى من الديمقراطيين أعلنت عدم رضاها على إعادة ترشيح شخص واهن ضعيف مثل بايدن، لأنه أعجز من أن يهزم ترامب، وبانتظار المؤتمر الحاسم للحزب الديمقراطي في شهر أغسطس المقبل، فإن بعض الممولين لحملة الحزب الانتخابية هددوا بوقف التمويل ما لم يتراجع الحزب عن ترشيح بايدن، حتى ولو رشَّح بدلاً منه نائبته كمالا هاريس.
إذاً أجواء الانتخابات الرئاسية الأميركية، مع كل ما يرافقها من عنف شوارعي أسس له ترامب منذ خسارته عام 2020 أمام بايدن، واستمرار رفضه للنتائج يومذاك لمدة أكثر من شهرين، فإن وصوله إلى الرئاسة في نوفمبر المقبل بات شبه حتمي، ولو عبر أساليب انقلابية وتلاعب بالنتائج على طريقة بعض الدول الأفريقية وتلك التي تعتبرها أميركا دولاً "مارقة"، في الوقت الذي باتت "الأمة الأميركية العظيمة" على المستويين الداخلي والخارجي، أعظم دولة مارقة.