أقلام الثبات
قبل تسعة اشهر بدأت عملية عسكرية فلسطينية بأسر بعض الجنود "الإسرائيليين"، لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين والمطالبة بتخفيف الحصار عن غزة، وتدحرجت الامور الميدانية (والتي لم يتم معرفة بعضها حتى الان) وحدثت اول عملية اجتياح تحرير مؤقت من غزة باتجاه الاراضي المحتلة، وسقط جدار العزل، وأسرالمئات من "الاسرائيليين"، وبدأت حرب غزة المرشّحة ان تستمر دون سقف زمني حتى تحقيق الاهداف "الإسرائيلية" - الأمريكية (الصعبة)، ثم توسعت الحرب في الجغرافيا ابتداء من لبنان، عندما اعلنت المقاومة اسنادها لغزة، ثم امتدّت الى العراق وتوسعت حتى دخل اليمن وصار من دول الاسناد للمقاومة في غزة.
تفاجأ العدو "الاسرائيلي" وحلفاؤه الاميركيون والغربيون وعرب التطبيع، حيث تعرض هذا المشروع ولأول مرة في تاريخه لتهديد مباشرة من محور المقاومة خارج إطار التوقعات "الإسرائيلية" - الاميركية، وبما لم تتوقعه اجهزة المخابرات التي كانت تتعامل مع الشعارات التي يطلقها قادة محور المقاومة على انها شعارات ذات "طابع عربي" من التهديد والوعيد والصراخ العالي على المنابر لكنه كان جبانا في الميدان والحروب، ما عدا بعض الاستثناءات، ومنها حرب تشرين عام 73 التي لم يكتمل النصر فيها.
بدأت المعركة موضعية ذات اهداف محددة ومحصورة وانتقلت الى حرب واسعة، تختلف في الاهداف والوسائل والفترة الزمنية، حيث أدخلت "اسرائيل" في معركة الدفاع عن الوجود للمرّة الاولى بشكل حقيقي، بعد ان كانت تتعرض لحروب تحرير جزئية، وتعيش "إسرائيل" الآن ضياع الأمن وعدم الاستقرار والاستنزاف وصولا الى تحقيق مرحلة "إزالة الكيان"، وهذا ما يرفعه محور المقاومة بشقه "السياسي الشيعي" لاعتبارات شرعية، بينما يقبل الفقه "السياسي السني" مشروع الدولتين.
ولأول مره يتعرض للقيام الى هزات عنيفة على المستوى العسكري والاقتصادي والاجتماعي بعد أن استطاع محور المقاومة توحيد الساحات، والتي حدثت لأول مرة في حرب تشرين 73 لكنها لم تستمر بعدما تم الغدر بالجبهة السورية من قبل الرئيس السادات.
ان الدوافع لخوض "اسرائيل" حرب الدفاع عن الوجود تتمثل بالتهديدات التالية:
- وحدة جبهات المقاومة الثابتة والمؤثرة، والتي لا تستطيع "اسرائيل" على المستوى الميداني اسكاتها او احتلالها للاعتبارات الجغرافية وموازين القوى.
- خوض العدو "الاسرائيلي" حرب استنزاف مكلفة امنياً وعسكرياً واقتصادياً وديموغرافيا حيث لأول مره يتم تهجير عشرات الالاف المستوطنين من الشريط الحدود الفلسطيني مع لبنان، وتهجير عشرات الالاف العائدين الى اوطانهم في اوروبا والعالم.
- العجز "الاسرائيلي" والاميركي عن الحسم العسكري، سواء في غزةاو في لبنان او في اليمن، مع خدوش عميقة في الهيبة العسكرية الأمريكية والغربية وجروح عميقة في البنية العسكرية "الإسرائيلية".
- تعرّض الكيان "الاسرائيلي" لحرب هجومية طويلة المدى، مع القلق المتزايد؛ بالانكشاف امام القدرات العسكرية للمقاومة خاصه المقاومةاللبنانية.
- افتقاد "إسرائيل" للقادة الرموز على الصعيدين الساسي والعسكري.
بناء على هذا التهديد الوجودي فان "اسرائيل" تشن حربا استباقية في الضفة الغربية والقدس، وتماطل في انهاء الحرب على غزة، لإتمام مشروع الارض المحروقة وتثبيت السيطرة على غزة لمدة عشر سنوات قادمة، بعيدا عن حكم "حماس"، سواء بالحكم العسكري المباشر او بالحكم العسكري المقنّع بواسطة قوات عربية واسلامية بديلة، وربط هذا المشروع بإعادة اعمار غزة بالتلازم مع اطباق الخناق على الضفة.
بعد أكثر من 70 عاما على تأسيس الكيان دخلت "اسرائيل" حرب الاستقلال او التأسيس الثاني بظروف أصعب من حرب الاستقلال والتأسيس الاولى، ولذا فإنما وقّعته "اسرائيل" من اتفاقيات سابقة مع السلطة الفلسطينية، سيكون عرضة للنقض او التفريغ من المحتوى بعد تجربة غزة، ولن توافق "اسرائيل" على ضفة غربية تتمتع بالحكم الذاتي او الاستقلال، ولذا فإن توقفت حرب غزه ستستمر الحرب على الضفة بدون ضجيج، وهذه هي المرحلة الأكثر خطراً بالنسبة للقضية الفلسطينية.
يمكن ان يكون هناك هدنة او وقف اعمال عدائية او وقف إطلاق نار في غزة ولبنان، لكنها ستكون "هدنة" يمكن ان تطول او تقصر... انها "هدنة التحضير" للحرب المقبلة.