أقلام الثبات
عند إعلان فريق عمل السيد بهاء الدين الحريري عزمه الحضور إلى لبنان في نهاية شهر حزيران الحالي، لاستكمال مسيرة والده، وفق تصريحاته الإعلامية، ووسط انشغال الفريق بإعداد لوائح إسمية بمَن يرغب لقاءهم على مدى أسبوعين، يُزمع قضاءهما بين بيروت والشمال وجبل لبنان والبقاع، مع تحديد الفنادق التي سيقيم فيها، أعلنت مصادر الرئيس سعد الحريري أن وضعه الصحي قد استطاب بنسبة 90%، وأنه عائد إلى ممارسة أشغاله الخاصة في الإمارات كالمعتاد، دون التطرق الى موضوع عودته إلى لبنان، وبالتالي لممارسة العمل السياسي.
التقييم الطبيعي والتلقائي لميزان التنافس السياسي حاصل بين فريقي الشقيقين منذ سنوات، نتيجة عدم رضى بهاء عن أداء سعد، لكن بهاء أصيب بنكسة جماهيرية في ضآلة الحجم، عندما حاول خوض غمار الانتخابات النيابية عام 2022 بمرشحين في مختلف المناطق، وأطلق لهذه الغاية محطة تلفزيونية، ثم أظهرت له الدراسات الميدانية المباشرة عدم الترحيب به على حساب شقيقه سعد، لا بل كانت الطريق الجديدة واضحة في رفضه، وأعلنت أن المنطقة هي حصراً لسعد الحريري، ومقفلة في وجه أي أحد سواه، خصوصاً أن أنصار الشقيقين في بيروت يتقاتلون فيما بينهم حتى خلال التواجد على ضريح "الوالد".
ولأن بهاء الحريري أعلن أنه سيبدأ نشاطه السياسي تحديداً من المناطق السنية، عبر لقاء مختلف الفعاليات للوقوف على حاجات الناس بمعزل عن النواب والنافذين السياسيين فيها، فإنه يحمل نفس راية المرحوم والده في بداية التسعينات وهي حصراً في الإنماء، لترميم ما أهمله شقيقه سعد على مدى سنوات، وهي لعبة استقطاب شعبي قد ينجح فيها بهاء في منطقة ويفشل في منطقة أخرى.
ولأن بهاء حدد مناطقياً مراحل ماراثون السياسة، فهو سوف ينافس شقيقه سعد حصراً، لأن معظم القيادات السياسية السنية هي درجة ثانية في مناطقها، بدليل، أن أياً منها لم يتمكن خلال الانتخابات النيابية الماضية من تكوين كتلة نيابية للحلول مكان كتلة "تيار المستقبل" الذي عزف عن المشاركة بتوجيهات مباشرة صارمة من زعيمه.
ولو حملنا خارطة مناطقية لسباق "الحريري إخوان" نبدأ من عكار، التي هي دائماً بانتظار "اليد البيضاء الحريرية" في التنمية من زمن الحريري الأب، الى الحريري سعد، وهذه المنطقة سترفع يافطات الترحيب لبهاء مقابلة راية الإنماء التي سيحملها، إضافة الى مواقفه الرافضة لحزب الله والمُرحَّب بها في أوساط شريحة من أبناء عكار الذين انتقلت إليهم عدوى "ثورة المعارضة السورية".
وإذا كانت العقبة السياسية الوحيدة أمام بهاء الحريري في عكار تتمثل بالنائب وليد البعريني الموالي لسعد الحريري، مع حرصه على حيثيته التي أهلته لأن يحمل لقب "الخادم الأمين"، فإن طرابلس منقسمة الى ثلاث شرائح: أنصار الرئيس ميقاتي الذين يحترمون "الخبز والملح" بين ميقاتي وسعد الحريري، وأنصار ريفي الذين يرحبون ببهاء، وأنصار فيصل كرامي الرافضين دخول أي من الإثنين الى المدينة.
وفيما بيروت منقسمة بالتساوي بين الشقيقين مع أرجحية لصالح سعد، فإن جبل لبنان وتحديداً إقليم الخروب لا يعرف بهاء من جهة، ويميل الى سعد حسب "ميلان" النائب وليد جنبلاط من جهة أخرى، بينما صيدا لا يبدو أنها متحمسة للإثنين، سواء من الفئة المحسوبة على النائب أسامة سعد تأييداً لمواقفه الشعبية ودعمه للمقاومة، أو النائب عبد الرحمن البزري الذي له ولعائلته حيثية مُستعادة بعد طول انتظار من هيمنة "بيت الحريري".
وإذا كانت حدود "الحريري إخوان" جنوباً هي صيدا، فإن البقاع مُنقسم سياسياً، الى غربي وأوسط، حيث تبرز في البقاع الغربي الشخصية السنية التي تنافس بيت الحريري نحو السراي، وهو النائب حسن مراد، الذي يقوم بأنشطة تنموية عابرة للطوائف في البقاع الغربي عبر "مؤسسات الغد الأفضل"، وحركة أكثر نشاطاً للتوأمة بين مؤسسات دار الفتوى المركزية، وأزهر البقاع ومؤسساته، فيما البقاع الأوسط يضع نفسه على لائحة انتظار طروحات كلا الشقيقين، وليس متمسكاً بسعد ولا مهللاً لبهاء.
الوضع الشعبي مؤاتٍ لأيٍّ من "الحريري إخوان" نتيجة ضعف ووهن القيادات السنية الأخرى، خصوصاً من حاولوا وراثة سعد كالرئيس فؤاد السنيورة والنائب فؤاد مخزومي، لكن الوضع السياسي غير مناسب لأيٍّ من الشقيقين نتيجة وقوف لبنان، كل لبنان، على صفيح الجنوب الساخن، ولذلك، الأولوية ليست لانتخاب رئيس في بعبدا، ولا لمَن سيكون في السراي ولكن، المؤشرات تميل لصالح سعد وليس بهاء، لاسيما أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد تواصل مع سعد خلال أزمته الصحية في باريس، مع إمكانية تليين السعودية مواقفها تجاه عودته إلى الحياة السياسية بمساعٍ فرنسية مصرية إماراتية، دون إغفال موقف بهاء المعادي للمقاومة، وهو ما دام يطلق تصاريحاً هجومية على حزب الله دون أن تكون له تلك الحيثية لا السنية ولا الوطنية، فإن بهاء مهما فعل و"رشرش" أمواله، فهو لن يظفر بالسباق الى الزعامة وإلى السراي، لا بمواجهة شقيقه سعد ولا بمواجهة أية شخصية أخرى.